الرئيسية / كتابات وآراء / صالح وشمشون الجبار

صالح وشمشون الجبار

محمد الحميدي
الخميس , 03 نوفمبر 2011 الساعة 05:25 مساء
نجح صالح ونظامه السياسي في تأخير الثورة الجارية في اليمن من الاطاحه به وإسقاط نظامه ولو إلى بعد حين حيث تمكن من البقاء في الحكم منذ انطلاق الثورة في فبراير من عامنا الحالي مستفيدا\" من تجارب حكام تونس ومصر وليبيا وسوريا في مواجهة ثورات الربيع العربي بالاضافه إلى طريقته الماكرة في استغلال ألتركيبه القبلية والفساد المستشري في البلاد وبعض أصحاب المصالح والنفوذ في نظامه والمال العام والوظيفة ألعامه ومطالب الجنوبيين في الانفصال والحوثين في الامامه وإرهاب القاعدة والإخوان بهدف خلط الأوراق وتحقيق بعض التوازنات وكسب مزيدا\" من الأنصار. ونجح بذالك في إقناع بعض دول العالم ممن يؤثرون مصالحهم على قضايا الشعوب وحرياته بمناوراته وتكتيكاته تلك التي استخدمها في إدارة معركته لمواجهة الثورة وخصومه السياسيين واستدرجهم في الكثير من جولاته إلى كل الكمائن والشراك التي نصبها لهم هناء أو هناك طيلة الفترة الماضية لإقناعهم بزهده في السلطة ورغبته في تسلميها سلميا\".

إلا أننا نعتقد إن تكتيكاته تلك لن تجهض الثورة ولن تحتويها لان صالح وسلطته هم من سوف يقنعون العالم أيضا\" بأنهم غير جادين في حواراتهم وغير صادقين في وعودهم وتعهداتهم التي احتلت أرقام قياسيه في تاريخ الكذب السياسي للحكام العرب وإنه بقدر ما يتخذ خطوه اجرائيه واحده هناء أو هناك يتراجع خطوات عده على مستوى الممارسة كما يغير باستمرار مواقفه لكي يحافظ على الإمساك بخيوط لعبته فأحيانا\"يستخدم الشارع ميدانا\" لمساعدته في اشتداد ألازمه أو تهدئتها لدعم موقفه سياسيا\"وأحيانا\" يشن حرب نفسيه لتدمير الآخرين معنويا\" من خلال الدفع بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للتدهور وتوسع إعمال العنف والقتل والدمار وقطع الخدمات الضرورية للمجتمع في مختلف مناطق الوطن ووضعهم إمام خيارين لا ثالث لهما الأول قبولهم بالدكتاتورية الحالية مع الأمن والاستقرار والثاني الديمقراطية والحرية مع الفوضى والعنف وحتمية الانهيار.

كما اصبغ صالح سياسته تلك بصفة عدم ممارسة الصدق والإقناع ومارس الكذب والخداع مع الخارج والتضليل والتنكيل في الداخل ومد العصا والجزرة بدون ثمره للخصوم وصعد الأوضاع في كل مكان ودفعها للسير على الطريقة الشمشونية تنفيذا\" لوعده ووعيده بهدم المعبد قبل رحيله لدفع معارضيه بالعودة للحوار أو قبول عروضه ومشاركتهم الحكم, خاصتا\" بعد إن راء بنيان نظامه يتصدع يوما\" بعد يوم وعززت نهاية بن علي ومبارك ومعمر وأنظمتهم وضع خصومه وزادة من معنوياتهم وفرص نجاح ثورتهم فتملكه الإحباط وأصيب بحالة من الاكتئاب فتجرد من كل المشاعر ومارس عدم المبالاة بالنتائج أو الأفعال.

لقد لعبت وسائل الإعلام الرسمية لنظام صالح سيئة الصيت دورا\" سلبيا\" في هذه الإحداث بسبب انحرافها عن رسالتها الاعلاميه والانسانيه وجسدت بكل معاني ألكلمه دكتاتورية النظام من خلال تبني التحريض على العنف والكراهية وتمجيد الحاكم واختزال الوطن في شخصه وتبرير قمع السلطة للمتظاهرين والمعتصمين وقلب الحقائق وإشعال الفتن وتوزيع التهم على من أسموهم بالخارجين عن القانون كالخيانة والقاعدة والحوثيه والانفصالية والإخوان بل كفروهم وأخرجوهم من الملة بدل العمل على توجيه رسائل تعزز الوطنية في قلوبهم وتقوي الروابط الاجتماعية بينهم وتدعو إلى الالفه والمحبة وإيثار مصلحة الشعب على مصالح الأشخاص ونبذ العنف والكراهية والتطرف والإرهاب والتقيد بممارسة الديمقراطية وفقا\" لحقوقهم الدستورية وذالك بهدف ذر الرماد على العيون وتزييف وعي المواطن وثنيه عن مطالب التغيير مكررتا\" نفس الدور السلبي في رسالتها التي سوقتها الأعوام الماضية عن الديمقراطية ونظام الحكم المدني الذي تنفرد به اليمن بين بلدان المنطقة لتخفي بذالك حقيقة الطاغية تحت تلك القشور الزائفة متناسيتا\" المثل القائل حبل الكذب قصير. فمع أول اختبار بانت حقيقة هذا النظام الدكتاتوري و تهاوت أحجار بنائه فجأة مع أول صرخة حقيقية لمالكين السلطة فانكشفت عورته وتساقطه أوراقه كأوراق الخريف كما وصفها طاغيته في اصدق تعبير قاله على مدى حكمه تعليقا\" على استقالات بعض قياداته وانضمامهم إلى ثورة الشعب بعد حادث مجزرة جمعة الكرامة حيث أوشك إن يتحول هرم نظامهم إلى أنقاض وإطلال لإمبراطوريه شيدتها الأوهام بنيت على نمط نظام البعثيين.

كما انه من الواضح هنا إن الإحداث المأساوية الاخيره التي ارتكبتها السلطة بحق المتظاهرين في القاع والمعتصمين في تعز والحصبة وصوفان قد كانت نتاج نشؤ حاله عصبيه مرهقه حكمت تصرفات سلطة صالح وردود أفعالها نظرا\" لتسارع الإحداث بسقوط طاغية ليبيا واغتياله وانتقال الملف اليمني إلى مجلس الأمن الدولي وتقرير مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الذي أدان جرائم النظام دفعها نحو المقامرة الخاسرة سلفا\" فاستهلكت بها كل رصيدها الذي حققته من خلال الدعاية والكذب والتضليل التي مارستها إمبراطوريتها الاعلاميه الممولة من قوت الشعب حول ألكذبة الديمقراطية التي تنفرد بها صنعاء في المنطقة و جدية صالح بتخليه عن السلطة سلميا\".

ومع كل يوم يمر من حياة اليمنيين منذ قيام الثورة ازداد الم ومعاناة هذا الشعب صغار وكبار أطفال ونساء بسبب استمرار استبداد النظام ودمويته وما تلحقه جرائمه بهم من خسائر ليس على صعيد الأرواح والممتلكات فحسب بل في توسيع الفجوة الاجتماعية بين مختلف فئاته و تعميق الشروخ النفسية في أوساطهم وزرع الانقسامات بينهم و التي قد تهدد صمود وتماسك جبهتهم الداخلية .

إننا نقول لأولئك الذين وضعوا مصالحهم فوق مصالح شعبهم ووطنهم ليبقوا في الحكم من خلال استمرار اغتصاب السلطة عندا\" ومكابرة ومن باب اخذ العزة بالإثم قد أجرموا بحق أنفسهم أولا\" وبحق دينهم وشعبهم وأمتهم ثانيا\" وستكون جرائمهم تلك وصمة عار في جبينهم وتاريخا\"أسودا\" ليس في حياتهم فحسب بل وفي تاريخ البشرية جمعا لان نتائج إعمالهم تلك لم تقتصر على تدمير الإمكانات المادية وقتل النفس التي حرمها الله بل مزقوا النسيج الاجتماعي القائم للمجتمع ودمروا الكثير من المنجزات التاريخية العظيمة التي استغرق تحقيقها مئات من السنيين وجهود كل اليمنيين وحققوا بذالك وعد صالح في هدم معبده كشمشون من خلال تدمير معبد(جامع) النهدين الذي دمر على رأسه ورؤوس إتباعه من رجال حكومته وحققوا له أمنيته بإعادة أوضاع الشعب والوطن إلى الأيام الأوائل لتولي حكمه في أواخر السبعينات من القرن الماضي بل أنهم بتلك الأفعال قد دمروا الأرض والإنسان وكل المكاسب والمنجزات التي تحققت منذ قيام الثورتين وأعادوا اليمن إلى مراحل تكويناته الأولى وأصابوه بالتشظى الذي قد ينتج عنه التجزؤ أو الانقسام وحتى إن حافظ على وحدته المجزئة في الواقع بسبب سياسته وأعيد بناء اقتصاده فمن الصعب إن تلتئم بين ليله ويوم كل جروحه التي سببوها كما سيفقد اليمنيين الوفاق والوئام المدني الذي كان قائم وسيكونون بحاجه لأكثر من مائة عام لتجاوز ذالك وتاريخنا مليي بالحوادث والعبر التي نعيش بعضها وندفع ثمنها حتى اليوم منذ عشرات السنيين.

ألخلاصه إن ما نعيشه اليوم من الم ومتاعب وهموم ومصائب ليس وليد اللحظة بقدر ما يعود إلى عدم العمل بجديه على تحقيق أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر تحقيقا\" حقيقيا\" وتجسيدها على ارض الواقع حيث استبدل حكم ألائمه والمشايخ البائدين بحكم الطغاة العسكريين الذين حكموا بعقلية من سبقهم واستعانوا بوسائل وأدوات حكمهم مغلفه بشعارات ثوريه ووطنيه وسخروا العلم لتحسينها وإعادة إنتاجها أو تجديدها فالأولون منهم لم يغادروا بوسائل سلميه إلا إلى المنفى أو خزيمه وحكمنا أخرهم ثلاثة وثلاثين عام متجاوزا\" بذالك حكم المتوكليين الذين تأرجحوا بين 14- 27عام ومن قبلهم القاسميين والهادويين.

وها هم هولا ألائمه الجدد المدثرين بعباءة الثورة والجمهورية بعد إن انتهت صلاحيتهم ونهبوا مافوق الأرض وما تحتها يشرعون في توريثنا لأبنائهم وأحفادهم ليستمروا في حكمنا سفاحا\" فالمسألة لأتفرق عندهم لأننا من وجهة نظرهم كالعبيد لا نمتلك حريتنا ونسائنا كالجواري والإماء مثلما ملك اليمين فهم وحدهم من يقرر مصير حياتنا وان رحلوا فهم كإسلافهم لا يرحلون إلا بعد إن يدمرون كل مقومات كياننا وبعد إن يستبيحوا ممتلكاتنا ودمائنا واعرضنا ويحولون حياتنا إلى جحيم وهاهم كل يوم ينتهكون قدسية ساحات حريتنا ويحولونها إلى حلبات صراع وعنف دائم شبيهه بساحات الكوليسيوم في روما القديمة لكي يفعلوا كما فعل سادتها فيتلذذون بقتلنا وتمزيق أحشائنا ويستمتعون بنحيب نسائنا وعويل أطفالنا لإسعاد أنفسهم وإبهاج أرواحهم الشيطانية التي تراقبنا من خلف شاشات التلفاز وكيمرات المراقبة.

لذاء نقول لهذا الطاغية وأعوانه إنكم تراهنون على الحصان الخاسر والثورة ستنتصر بإرادة أبنائها حتى لو استعنتم بالرهبان وتمسحتم بقرون الشيطان وهدمتم بدل الجامع إلف جامع وبدل المئذنة إلفين وأحرقتم عشرات القرى ورملتم مئات النساء ويتمتم ألاف الأطفال وجلبتم مليون شمشون أو نيرون أو بعثتم زعيمكم صدام فأنكم إلى زوال لأن شعبنا قد عزم على ترحيلكم وإسقاط طغمة حكمكم لجعلكم عبره للأولين والآخرين ولن تجدي أطواق نجاة بيرنار أو أولاد الجيران فسنلحقكم حتما\" بحاكم قرطاج وملك ملوك إفريقيا وفرعون ذو الأوتاد ورفيقكم صدام.