الرئيسية / كتابات وآراء / توكل كرمان وطوق النجاة‏

توكل كرمان وطوق النجاة‏

محمد عارف
الأحد , 09 أكتوبر 2011 الساعة 06:51 مساء
حدث رائع ومبهج حصول السيدة توكل كرمان علي جائزة نوبل للسلام ذات القيمة المعنوية الكبيرة، وهذا الحدث قبل أن يكون مبهجا لها هو مبهج لكل اليمنيين بكل شرائحهم وأطيافهم، فالجائزة هي شرف وطني كبير ككأس العالم أو ميداليات الأولمبياد وإحرازها هو إنجاز وطني مشرف -وهذا ما أتوقع وأأمل أن يكون في حسبان السيدة توكل فتسمو بنفسها لتكون بحجم وطن- قد يثير هذا الحدث الحنق عند بعض الرافضين للثورة أو لآراء السيدة توكل ومواقفها،أو الحسد والغيظ عند بعض الناشطين والحقوقيين الآخرين، إلا أنهم في النهاية سيفرحون وسيهنئون أنفسهم قبل أي أحد بهذا التكريم.

إن جائزة نوبل تعتبر تعبيرا صادقا عن ضمير ووجدان المجتمع الأوربي والغربي، ومهما تحدثوا عن معايير موضوعية وعلمية دقيقة تحكم اختيار الفائزين إلا أن أحدا لايمكنه إلا أن يلمح أيضا الإعتبارات العاطفية والوجدانية والقيمية... الخاصة، فهي أحيانا تعبر عن المكبوت السياسي المسكوت عنه في الحياة العامة الغربية، وكثيرا ما تواكب التوجهات السياسية المعلنة، فنجدا أن جائزة نوبل للسلام تمنح للسياسيين دون الإلتفات إلي مقدار العدائية الغير عادي الذي تنطوي عليه صدورهم ولا إلي النتائج المأساوية التي تسببتها أنشطتهم وتحركاتهم، ويمكننا ملاحظة اختلاف المعايير عند مقارنة أنشطة وحياة الفائزتين الأخريين (إيلين جوزيف/وليماغبوي) اللتين حصلتا علي الجائزة لدورهما الحيوي في حشد وتعبئة الرأي العام ضد الحرب الأهلية في بلدهما ليبيريا، بينما لا أثر لهذا الدور في حياة وأنشطة توكل كرمان، فعلي الرغم من أن كثيرين يرون أنها شديدة الشبه بجدتها بلقيس (عليها السلام) إلا أن آخرين لا يرون فيها إلا مسعرة حروب وأنها تشبه بدرجة أكبر جدتها الأخري البسوس (لا ألحقها الله خير) بطلة داحس والغبرا التي أشرفت علي فناء (بكر وتغلب) وأن هناك فارقا جوهريا بين الجدتين فبلقيس استخدمت كل الأساليب والطرق إبتداء بالهدايا وانتهاء ببذل نفسها لتجنيب شعبها(المتهور) ويلا ت حروب خاسرة مع جيوش الجن والغولة والعفاريت، بعكس البسوس التي كانت تري في أتفه الأشياء مناسبة جيدة لمعركة هائلة.

يقول الكاتب الشهير \"برناردشو\" عن جائزة نوبل: إنها تمثل طوق نجاة يرمي به علي شخص قد وصل بالفعل إلي بر الأمان ولم يعد بحاجة إليه. وهذا يصدق بالفعل علي الفائزين في مجالات العلوم والطب والأدب.... لكنه لايصدق علي الفائزين في مجال السياسة (السلام) فكثيرا ما كانت الجائزة طوق نجاة لمن يوشكون علي الغرق بالفعل، فمثلا كان حصول ياسر عرفات وشيمون بيريز علي الجائزة هو محاولة لإنقاذ الزعيمين وعملية السلام من الطريق المسدود الذي وصلت إليه، ودفعهماإلي محاولة إنعاشها.

كما أن تكريم السيدة توكل كرمان كان أيضا بمثابة طوق نجاة:
-لليمن الآخذ في الإنهيار والتحلل، ولفت الأنظار إلي هذه الزاوية المعتمة والخطرة من العالم لإلقاء الضوء عليها وعلي مشاكلها ومعاناتها وتلافي الأسوء الذي تتجه إليه.
-مثل طوق نجاة لواحدة من أطول الثورات في التاريخ وهي الثورة الشبابية في اليمن، والتي لا يري كثير من شبابها أية مشكلة في الإستمرار حتي2013 أو2020 وكأن تكلفة الثورة مقتصرة علي ما يتعرضون له من مطر وشمس.

-مثلت طوق نجاة للموقف الدولي من الثورة الذي يكاد يكون محايدا أو في صالح النظام، وتلافيا للإتجاهات العدائية التي أخذت تتنامي في أوساط الثوار ضد التحالف الدولي.

-مثل طوق نجاة للإخوان المسلمين في اليمن وحزب الإصلاح بعد أن فقدوا الكثير من كوادرهم ومن شعبيتهم ومن أموالهم ومن سمعتهم الدولية... وهذه الجائزة ستحافظ علي (شعرة معاوية) مع الغرب إذ ستعتبر رد اعتبار حتي وإن كانت الطريقة غير رسمية.

-مثلت الجائزة طوق نجاة للقيم الليبرالية في اليمن التي يكاد يلتهمها المد الديني المتشدد الذي يسري بسرعة في الساحات أكثر من أي مكان آخر في اليمن.

أخيرا فإن الجائزة مثلت طوق نجاة أيضا للسيدة توكل كرمان،فلاشك أنها ستصبح أقوي في مواجهة هجمات السلطة والمعارضة التي كانت غرضا لهاطوال الوقت، وستصبح أقل عرضة للضغوط وأكثر انطلاقا وحرية في تحركاتها وأنشطتها السياسية والحقوقية.

في النهاية لن ننسي أبدا أن من يستطيع انتزاع جائزة نوبل من بين ملابسات الوجدان الغربي الغامض والمحير بأي طريقة كانت هو بطل.. وبطل عظيم.