الرئيسية / كتابات وآراء / إعلام السطة.. تحريض بلاحدود

إعلام السطة.. تحريض بلاحدود

د . عبد الملك الضرعي
الاثنين , 22 أغسطس 2011 الساعة 08:01 صباحا
يمثل الإعلام إحدى الأدوات العصرية التي يتم من خلالها توجيه الرأي العام وفق رؤية معينة يرسمها في الغالب السياسيون أو المؤسسات العلمية والثقافية...الخ ، وفي بلدنا الحبيب الجمهورية اليمنية شكل الإعلام منذ عقود إحدى الأدوات التي استعانت بها السلطة الحاكمة لتمرير مشاريعها السياسية ، لذلك لم يرخص حتى الآن وبشكل رسمي لأي وسيلة إعلامية خاصة باستثناء بعض الصحف التي تخضع بشكل مستمر للمصادرة والعقاب ، ولكن ذلك لم يمنع بعض قوى المعارضة وغيرها من فتح قنوات فضائية خاصة تبث من خارج البلاد.

مايهما في هذا الموضوع الإشارة إلى إشكالية بدأت تظهر في أداء إعلام السلطة تمثل ابتعاداً عن المهنية الإعلامية وقرباً من التحريض المستمر ضد كل صوت معارض ، وقد شكلت الأسابيع الأولى لثورة الشباب تحولات هامة في أداء أجهزة الإعلام الرسمي ، حيث التحق النخبة من كوادر الإعلام بساحات التغيير والحرية ، مما دفع بقيادات المؤسسات الإعلامية للبحث عن بدائل من حديثي التخرج والموالين للسلطة والباحثين عن الشهرة أوالفتات من المال ، لذلك ظهرت نماذج تفتقد إلى أبسط الشروط المهنية للإعلامي من حيث اللغة أو الثقافة أوالأداء ، فمثلاً تجد المذيع الشهير في قناة اليمن وسبأ صاحب الإعاقة اللفظية الذي يستبدل السين بالثاء في بعض الجمل، حيث تسمعه في قراءة خبر عن السعودية مثلاً يقول(ملك المملكة العربية الثعودية عبد بن عبد العزيز آل ثعود)،عجبا هل مر هذا المذيع باختبار النطق أم دخل الإستوديو بالولاء فقط ، وقس عليه غالبية المذيعين الجدد في محطات الإذاعة والتلفزة الرسمية ، كما يعاني إعلام السلطة كذلك من عيوب جوهرية بمختلف أنواعه مرئي ومقرؤ ومسموع.
إن من يتابع وسائل إعلام السلطة سيرى عجباً ، ومن ذلك القنوات الفضائية التي تتربع على رأس الوسائل الإعلامية في تجاوزاتها المهنية ، ونقول المهنية لأن لكل وسيلة إعلامية ثوابتها المهنية التي تقوم على مجموعة من القيم الإخلاقية التي يقدسها المجتمع ، حتى في حال حدوث تجاوزات في التغطية الميدانية يتولى المونتاج حذف كل ما يناقض تلك القيم ، ولكن من المؤسف أن المونتاج لايعمل في وسائل إعلام السلطة ؟؟؟لذلك ستجد كلمات نابية وسوقية يرددها بعض الأفراد في تغطية مباشرة أو غير مباشرة ومع ذلك يتم إذاعتها وتلك المفردات كثيرة وعلى رأسها الإساءة إلى شباب ساحات التغيير والحرية منذ الأيام الأولى لثورة الشباب ومن تلك الألفاظ (عملاء ، مجرمين ، خونة ، كفرة ، يهود ، كلاب ، قليلي ذوق ، ملحدين ، ظلمة ، خبيثين ، سفلة ، ملاعين...، زبالة ، حثالة ، مولَّدين(غير يمنيين)،احذية... ، مأجورين ، منحطين ، شرذمة ، مرتزقة ، متمردين ، سفاحين ، طغاة ، قليلي أدب ، ارهابيين ، أولاد....)وهناك الكثير من الفاظ الشتم التي تمثل تحريضاً مباشراً لارتكاب جرائم ضد قوى المعارضة بمختلف مكوناتها وتوجهاتها وخاصة شباب ساحات التغيير والحرية، ومن المؤسف أن تلك الحملة تدفع باليمن إلى مالا يحمد عقباه ، خاصة بعد توظيف بعض الفتاوى واللقاءات الدينية في قناة الإيمان والتي تصف قوى التغيير بالخارجين عن طاعة ولي الأم وقطاع الطرق و...الخ ، إن كل تلك الحملة التحريضية إضافة إلى اتهام قوى التغيير بالوقوف خلف أزمات الكهرباء والمشتقات النفطية والمياه و...الخ ، ستؤدي إلى إشاعة الكراهية والبغضاء بين اليمنيين ، ولذلك عواقبه الخطيرة التي تنتهي باستباحة دماء المعارضين بمبرر حماية الوطن والشرعية الدستورية وهو مابدى واضحاً في المؤتمر العام لقبائل اليمن في مدينة الثورة الرياضية 16 رمضان.

إذا كانت غالبية الألفاظ المشار إليها يتم جمعها من تجمعات أنصار الحزب الحاكم في تغطيات خارجية وبالتالي فتلك المقابلات مع أشخاص عاديين ومحدودي الثقافة و..الخ ، ولكن المؤسف أن استوديوهات الفضائيات لم تكتفي بنقل ألفاظ هذه النوعيات من الميادين العامة ، بل أعجبت بهم ونقلت بعضهم إلى الإستديوهات!!!! وهناك في الإستوديوهات ترى العجب حيث تحولت استديوهات التلفاز اليمني المؤيد للسطة إلى ما يشبه مجالس القات بل واصبحت بعض القنوات تخصص أيام للإناث وفيها لاتختلف الجلسة عن تفرطة نسائية تمثل الأميات الغالبية المطلقة فيها ، وفي تلك اللقاءات التي تمتد لساعات طويلة وبعد أن تنتهي كل المفردات والحوارات التي أعدت عناوينها وموضوعاتها مسبقاً ، يبدأ الضيف بالكلام بطريقته واخلاقه وقيمه هو ، وكون غالبية المستضافين هم من الشتامين واللعانيين يستكمل باقي اللقاء بسيل من الشتائم والإساءات لقوى المعارضة ، وهنا يقفل المذيع الحلقة وبدلاً من أن يقول وختامه مسك ، فلسان حاله يقول وختامه شتم ولعن.

إن الإعلام الأصل فيه أن يكرس القيم والأخلاق ويربي المجتمع على الفضيلة ، وخاصة الإعلام الرسمي الذي يدار من موارد الشعب ، أما إعلامنا الرسمي فالأمر يختلف فرئيس الدولة ينتقد الإختلاط في ساحات التغيير والحرية في خطابه الشهير في إحدى جمع السبعين ، وازلامه في التلفاز الرسمي وفي الشهر الكريم يقدمون أغاني مشتركة بين شاب وشابة وسط تصفيق جمهور الحضور من الشباب والشابات هذا حلال وذلك حرام ، في الإعلام الرسمي تتحول الإستديوهات بمذيعها وضيوفات إلى حفلات شتم وإساءة وقدح وذم وتخوين لكل من يخالف السلطة الحاكمة في الرأي ، في استديوهات الإعلام الرسمي والصحف والمجلات الرسمية يغيب الصوت المعارض وتتحول المعارضة إلى مجاميع إرهابية ومرتزقة يجب التخلص منهم ، في الإعلام الرسمي تغيب حشود جمعة الستين وحشود صلاة الجمعة في تعز وإب وعدن وحضرموت وبقية المحافظات ، وتظهر فقط ملايين السبعين؟؟؟!!!

أخيراً كانت تلك نظرة موجزة لمأزق إعلام السلطة في الوقت الراهن ونعني بإعلام السلطة الإعلام الرسمي أو الخاص المؤيد للسلطة الحاكمة ، وإذا كان الإعلام الرسمي خرج من إطار المهنية نتيجة خضوعة لتوجيهات أمنية وسياسية ، فإننا نأمل من الإعلام الخاص المؤيد للسلطة أن يتذكر أصول العمل الإعلامي المهني الحر ، وأن لايكون بوقاً إضافياً لتضليل المجتمع ، كما نأمل من كل وسائل الإعلام مؤيدة أو معارضة للسلطة أن تتبنى القيم الإعلامية الأصيلة التي تجعل من الإعلام سلطة رابعة مستقلة تساعد على حماية حقوق المجتمع وطموحاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وأن تكن الحقيقة واحترام عقلية المتلقي هدفها ، كما نأمل لإعلامنا اليمني أن لايكون سبباً في التحريض والكراهية التي سيكون لها عواقب وخيمة على أمن وسلامة المجتمع بمختلف شرائحه ، نرجوه تعالى أن يحمي شعبنا اليمني من كل مكروه.