الرئيسية / كتابات وآراء / معركة الأرقام بين السبعين والستين

معركة الأرقام بين السبعين والستين

د . عبد الملك الضرعي
الاثنين , 15 أغسطس 2011 الساعة 10:30 صباحا
تعاني الأرقام في ظل الحالة اليمنية الراهنة تضخيماً وتهويناً غير مسبوق ، وكأن الرقم لم يعد رقماً إحصائياً بل مادة بلاغية وصفية ، وذلك يخالف وظيفة الأرقام منذ الأزل ، فمثلاً صرح طارق الشامي أحد ناطقي الحزب الحاكم عن مناصري الحزب الحاكم عن ميدان السبعين في إحدى الجمع بقوله لإحدى القنوات الفضائية لماذا لا تنقلون الحشود المليونية المؤيدة للشرعية بينما تبالغون في الآلاف بساحة الجامعة ، وعزز كلامه بأن حشود السلطة في السبعين قد تصل إلى عشرة مليون نسمة ، وفي نفس ذلك اليوم أشارت مصادر إعلامية للمعارضة إلى من شاركوا في صلاة الجمعة تلك على مستوى الجمهورية حوالي (ستة ملايين) فرد ، وبذلك وصل العدد الإجمالي إلى (ستة عشر مليون فرد) من إجمالي سكان الجمهورية البالغ حوالي (25) مليون نسمة ، بل وصل الحال ببعض قيادات اللجنة الدائمة في مؤتمرها الأخير إلى إيهام الرئيس صالح بأن مجموع الشعب الـ(25) مليون نسمة مؤيدون له ، مما يعني أن المعارضة بهذا المقياس تمثل (صفر) ، وللأسف منذ ذلك المؤتمر تشدد الرئيس صالح في مواقفه السياسية بعد كان أبدى مرونة قبل ذلك ، ومرجع تشدده لما ينقله إليه مستشاريه من محدودية قوى التغيير وأنه بإمكانه التعايش مع تلك الأعداد المحدودة حتى تتناقص وتنتهي تدريجياً ، وذلك التصور يبدو واضحاً في خطاباته السياسية ، بما في ذلك جمعة(22مايو) التي وجه فيها نداء إلى الأشقاء والأصدقاء إلى لبس نظارات بيضاء لمشاهدة الملايين الغفيرة في ميدان السبعين!!!!! .

تلك الأقوال لا تتفق بأي حال من الأحوال مع الواقع الديموغرافي والجغرافي لليمن ، فسكان الريف يصلون إلى حوالي(70%) من سكان الجمهورية أي أكثر من (17) مليون نسمة ، وبالتالي سكان المدن أقل من (8) ملايين نسمة ، وعلى المستوى العمري فإن الأطفال على مستوى الجمهورية دون سن العاشرة حوالي(25%) من السكان، كما أن نسبة الإناث تصل إلى حوالي(50%) على مستوى الجمهورية .
إن التحليل المنطقي لشعبية المعارضة بمختلف توجهاتها ، والسلطة بمختلف حلفائها ، يجب أن يخضع للواقع السكاني على مستوى الجمهورية والمحافظات ، وبدون ذلك فإن الخيال السياسي سيجعل من الشعب اليمني شعبين وأكثر ، وحتى تكون الصورة واضحة يمكن الإشارة إلى حقيقة الأوضاع السكانية من خلال مايلي :

أولاً/ شكلت أمانة العاصمة في الفترة الأخيرة مركزاً لإظهار مدى شعبية الحزب الحاكم والمعارضة ، بل أن الحزب الحاكم ومنذ منتصف شهر إبريل تخلى عن حشوده إعلامياً في المحافظات ليكتفي بميدان السبعين بصنعاء ، ويمكن إذا تم إنزال خريطة من البرنامج الشهير (جوجل إيرث ) تحديد مساحة ميدان السبعين وإعطاء متوسط لعدد المصلين فيه ، وبنفس الدرجة إذا علم بشكل يقيني المسافة بين أول وآخر نقطة يصل إليها المصلون في شارع الستين ، يمكن تحديد العدد الافتراضي للمصلين هناك ، ومن ثم إجراء المقارنة للمؤيدين والمعارضين ، ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن إجمالي سكان أمانة العاصمة عام 2011م لا يزيد عن (2.3) مليون نسمة فقط ، فمن أين جاءت عشرات الملايين لا ندري ، وهل تملك الطرق ووسائل النقل اليمنية القدرة على تحريك ملايين البشر في وقت واحد ، وهل يمكن لأمانة العاصمة استيعاب أضعاف سكانها وتوفير الخدمات المختلفة لهم ؟؟؟؟!!!!

ثانياً/ على مستوى المحافظات الأخرى : كما سبق الإشارة أن الحزب الحاكم ومنذ منتصف شهر إبريل أصبح يركز فقط على ميدان السبعين بصنعاء ، بينما في المقابل توسعت الساحات التي تقام فيها الجمع المؤيدة للثورة الشبابية الشعبية السلمية لتشمل غالبية محافظات الجمهورية ، بل وامتدت إلى مساحات واسعة ، ففي صنعاء مثلاً نقلت إلى شارع أوسع من ساحة التغيير هو شارع الستين الغربي ، وفي إب انتقلت إلى الشارع الدائري في المدينة ، بينما في الساحات الأخرى اتسع التمدد الأفقي ليصل إلى عدة كيلومترات كما هو الحال في ساحة الحرية بتعز ، والأمر كذلك في عدد من محافظات الجمهورية .

ثالثاً/ حسب ما تنقله وسائل الإعلام العالمية باستثناء (سهيل والجزيرة ) التي يتهمهما الحزب الحاكم بالتهويل ، يمكن القول أن هناك تراجعاً ملحوظاً في شعبية الحزب الحاكم على مستوى محافظات الجمهورية ، وأن شبكة التأييد الرئيسية له تتركز في أمانة العاصمة وعدد محدود من المحافظات القريبة منها.

رابعاً/ بإحصائية بسيطة يمكن القول أن قدرة الحزب الحاكم على حشد التأييد الشعبي في شكل مجاميع كبيرة أصبح بعيد المنال في محافظات مثل(عدن ، أبين ، لحج ، الضالع ، شبوة ، حضرموت ، المهرة ، مارب ، تعز ، إب ، البيضاء، الحديدة ) بل وفي محافظتي صعدة والجوف يصعب إخراج مسيرة كبيرة أو صغيرة كونهما أعلنتا انضمامهما الكامل للثورة الشبابية الشعبية وبكل مكوناتها السياسية والاجتماعية ، والمحافظات التي سبق الإشارة إليها تمثل ( 74%) من سكان الجمهورية وأكثر من(90%) من مساحة الدولة ، أما وجود أنصار الحزب الحاكم في بقية المحافظات فيتباين بين الريف والمدينة ، وتؤكد الصورة العامة على التراجع الشعبي لمؤيدي الحزب الحاكم ، مع زيادة مستمرة لمؤيدين للثورة الشبابية الشعبية السلمية ، ويبدو ذلك واضحاً في أحياء وحارات أمانة العاصمة ، التي كان يصعب على الصغار والكبار ترديد الشعارات المناوئة للسلطة فيها، أما الآن فأصبح من المألوف ترديد أطفال أمانة لبعض الشعارات التي يطلقها شباب ساحات التغيير ، وهو ما لم يكن مسموعاً في الأسابيع الماضية نتيجة الخوف من أنصار الحزب الحاكم.

أخيراً يمكن القول أن كل الحقائق الإحصائية تؤكد على الزيادة العددية لأنصار الثورة الشبابية الشعبية السلمية ، مقابل التراجع المستمر في شعبية الحزب الحاكم على امتداد الأرض اليمنية.