الرئيسية / كتابات وآراء / جنرال .. برتبة صندوق أسود !

جنرال .. برتبة صندوق أسود !

أحمد مصطفى الغر
السبت , 21 يوليو 2012 الساعة 01:40 مساء
\" توفي مدير المخابرات العامة المصرية السابق عمر سليمان الذي كان ضمن الدائرة الضيقة المقربة من الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك .. \" هكذا أوردت رويترز خبر وفاة الجنرال الذى لم يكن ضمن الدائرة الضيقة لنظام مبارك فحسب ، بل كان جزء أصيل لا يتجزأ من مبارك نفسه ، فهو كاتم أسراره الأمين و مستشاره فى أوقات الأزمات الحرجة ، ونائبه عندما بدأ نظامه يترنح .. قبل أن تجبره الثورة على ترك الحكم ، وتشاء الأقدار أن يكون سليمان أيضا هو من يقرأ خبر تنحيه ، الجنرال الذى ظهر بوجه عابث بعض الشئ ويبدو عليه شئ من الحزن خرج على الشعب المصرى ليلقى الخبر الذى أصاب المصريين بسعادة غامرة ، كلماته القليلة كانت نهاية لعهد بائد لا يتمنى أحد عودته وبداية لعهد جديد يأمل الجميع أن يكون أفضل .

هو إذن صندوق النظام الأسود ، الذى رحل تاركاً أسئلة كثيرة بدون إجابات ، حظى باحترام الكثيرين قبل الثورة ، إذ رأى فيه البعض منقذاً من توريث الحكم لجمال بالاضافة لكونه شخص جدير بالثقة ، يُقال أن مبارك قد سمى حفيده \"عمر\" على اسمه ، ويُقال أيضا أن \"سوزان مبارك\" مارست ضغوطاً لمنع تعيين سليمان نائباً لمبارك قبل الثورة حتى لا يؤثر ذلك سلبياً على مشروع التوريث ، كان نادر الظهور فى وسائل الاعلام خصوصا المصرية .. بل ربما يمكننا أن نعرف أخباره ونرى صوره من خلال وسائل الاعلام الامريكية والاسرائيلية أكثر من المصرية والعربية ، بعيد عن الأضواء دائماً ، يرى البعض أنه كان يعمل فى صمت و يترك أفعاله تتحدث عنه ، لكن أحيانا الصمت يشكل ستاراً لأشياء كان لابد من توضيحها ، فالرجل كان من القلة الحاكمة التى مارست التعذيب بحق العباد ، و الفساد بحق البلاد .

رحل الصندوق الأسود ، مصر الرسمية تبحث طريقة دفنه بجنازة عسكرية ، ومصر الشعبية انقسمت ما بين إعتباره بطلاً وزعيماً يستحق التكريم ، و رأى آخر يعتبره جزء من نظام فاسد ، كتم أسراره و تستر عليها لسنوات طويلة ، فإذا الرجل قد حقق نجاحاً فى الحفاظ على علاقة حميمة بين النظام المصرى الحاكم و إسرائيل ، وجزء من المصالحة الفلسطينية و دوراً لم يحدد طبيعته فى صفقة الافراج عن شاليط ، فإن ثمة ملفات أخرى قد تولاها و كانت النتائج فيها محيرة ، أشهرها ملف السودان و ملف مياه النيل ودول الحوض ، و تزداد الحيرة مع عودة الرجل للظهور بعد سقوط النظام حينما ذهب فى اللحظات الاخيرة لتقديم اوراقه كمرشح لانتخابات الرئاسة المصرية ، لقد تميزت مصر ـ وحدها ـ دون ثورات الربيع العربى بأن نائب الرئيس المخلوع و رئيس وزراء الرئيس المخلوع و وزير خارجية سابق له كانوا من ضمن المتقدمين لمنصب الرئاسة ، وكأن الثورة التى جاءت للاطاحة بالنظام كانت فى بلد آخر ، ربما كانت آخر ملفات سليمان هى الحوار مع القوى السياسية حول الاصلاح الدستورى و الاجتماعى فى مصر كمحاولة أخيرة للحفاظ على النظام الحاكم ، لكن هذه المرة كان سليمان يفاوض من لا يملكون زمام الأمور على الأرض ، فالشارع كان بعيداً عن حوارات سليمان ونقاشاته ، و غير مهتم بما يقدمه من تنازلات .. لأن الشئ الذى أراده الشارع كان أكبر مما كان يحمله سليمان من كروت يداعب بها قوى المعارضة المستأنسة التى كان يحاورها .

رحيل سليمان أثار فى داخلى ثلاثة ملاحظات .. الاولى : أن الرجل قد رحل قبل أن يبلغ شهر رمضان الكريم ، والثانية : أن مبارك ظل على قيد الحياة كى يرى نائبه يرحل مفارقاً الحياة ، وفى ذلك عبرة وعظة للرجل الذى ظل طيلة 30 عاماً يرفض تعيين نائباً له ، والثالثة : أتساءل عن مشاعر الرجل الذى كان يقف خلف الجنرال عابساً أثناء إلقائه لخبر تنحى مبارك ، والذى وصلت شهرته لأقصى الحدود و كان مسار للنقاش و الجدل بين كل المصريين على مواقع التواصل الاجتماعى و على صفحات الجرائد !