فقه "الإقصاء" عند الليبراليين!
حبيب العزي
الأربعاء , 30 مايو 2012
الساعة 07:50
صباحا
المجلس العسكري أو غيره في سبيل تحقيق أهدافها في الاستحواذ على السلطة ، وكنت أتمنى على هذا الأخير أن يبرز لنا على الشاشة توكيلاً معتمداً من الشباب يفيد بأنه المتحدث والناطق الرسمي باسمهم حتى نتعاطف معه.
هذه فقط عينة بسيطة لسيل من الاتهامات التي أطلقها رواد فقه \"الإقصاء\" من غلاة الليبراليين ، لمجرد حصول مرشح الإخوان على المرتبة الأولى في سباق الانتخابات الرئاسية المصرية ، وهذا الفقه \"الإقصائي\" لم يكن في حقيقة الأمر قاصراً على مصر وحسب ، ولكنه كان مصاحباً حتى للثورة اليمنية ، إذ أن غلاة الليبراليين في اليمن مارسوا نفس الفعل أيضاً أثناء الثورة اليمنية ، فقائل منهم: أن الإصلاحيين ركبوا قطار الثورة ولم يكونوا جزءاً منها ، وآخر: بأن إخوان اليمن قد سرقوا الثورة من الشباب كما فعل أصحابهم في مصر ، وثالث: أن الإصلاحيين قد سيطروا على الساحات واستولوا على المنصات والمنافذ الأمنية بداخلها ، والحقيقة التي رأيتها في المشهد اليمني أنّ هذا القول الثالث قد يكون صائباً إلى حد كبير ، لكن السبب – بتقديري- ليس لأن الإصلاحيين \"سيطروا\" أو \"استولوا\" على المنصات والمنافذ ، و....و..... الخ ، ولكن لأن الآخر غاب عن المشهد في واقع الفعل ، فبرز هذا الأخير \"المتهم دائماً بالاستحواذ والسيطرة و....و... الخ \" لسد الثغرة الفارغة ليس إلاّ ، وسبب غياب ذاك الآخر ببساطة شديدة هو عجزه عن ممارسة الفعل على واقع الأرض ، بسبب عدم امتلاكه للأدوات التي ت
مكنه من ذلك ، ما يعني أنه يفتقر إلى التنظيم ، بينما كان الأخير \"المتهم بالاستحواذ\" جاهزاً للفعل بحكم امتلاكه للتنظيم ، وبحكم وجوده الفعلي ليس في الساحات لبضعة أشهر وحسب ، ولكن بين أوساط الجماهير والمجتمع على امتداد عشرات السنين ومنذ عقود ، وهنا بدأ ذاك الغائب يواري عجزه عن الفعل بإلقاء التهم على الأخير بأنه استولى وسيطر واستحوذ و\"كوش\" و.....و.... الخ من قائمة طويلة لا تنتهي من الاتهامات.
أرى بأن الفكر الليبرالي بمفهومه التقليدي لم يعد سوى ظاهرة صوتية تجلجل في العالم الافتراضي على الفيس والتويتر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي ، كما على الفضاء الإعلامي بشكل عام عبر الصحف والفضائيات ، بسبب أن معظم المستثمرين في قطاع الإعلام هم من المفتونين بهذا الفكر ، ولذلك تراهم تفننوا في \"شيطنة\" ليس الإخوان المسلمين فحسب وإنما كل ما هو إسلامي ، لكن هذا الفكر حقيقة لم يعد له وجود على الواقع الفعلي على الأرض ، لأنه وصل – برأيي- إلى مرحلة الشيخوخة ، ولم يعد قادراً على ممارسة الفعل ، بسبب تلك الهوة الشاسعة بين قياداته التي لا زالت تعيش وهم النشوة بفترة \"نجوميتها\" إن جاز التعبير- منذ أواخر الخمسينيات وحتى نهاية عقد الثمانينيات من القرن المنصرم ، وبين الجماهير التي غابت عنها كلياً وغابت عن العمل المجتمعي في أوساطها ، في الوقت الذي كان فيه ذاك المتهم بـ\"التكويش\" يعمل في أوساط الجماهير ليل نهار ، ويتغلل بينهم عبر أشكال مختلفة من التواصل المجتمعي ، منها على سبيل المثال مؤسسات العمل الدعوي والخيري التي هي ماركة حصرية للإسلاميين باعتراف الليبراليين أنفسهم .
لستُ هنا بالطبع محامياً عن الإخوان أو عن الإسلاميين عموماً ، فأنا قد كتبت مقالات عدة قدمت فيها نقداً لاذعاً لجماعة الإخوان وللإسلاميين عموماً ، كان آخرها مقالاً لي بعنوان \"معركة كسر العظم بين الإخوان وأبو الفتوح\" ، نقدت فيه جماعة الإخوان عن أخطاءها الكبيرة في انتخابات الرئاسة المصرية الأخيرة ، وقلت فيه أن أكثر ما يقلق المتعاطفين والداعمين لجماعة الإخوان هو الخوف من أن تتشتت أصوات الناخبين – المحسوبين على الإسلاميين – بين مرسي وأبو الفتوح ، وتذهب لصالح الفريق الآخر ، وهذا ما حصل فعلاً بعد ظهور النتائج الأولية حين برز أحمد شفيق –وهو مرشح الفلول عن النظام السابق- ليشكل المفاجأة الكبرى في انتخابات الرئاسة المصرية التي لخبطت كل حسابات قوى الثورة بمن فيهم الإسلاميين ، ولكني كتبت ذلك من زاوية تحليلية وموضوعية ليس إلاّ .
كما أنني لست متحاملاً على الليبراليين عموماً في هذا التحليل -الذي أراه موضوعياً ومتسقاً مع الواقع الذي يعيشه هذا الفكر \"هذا إن جاز لنا تسميته كذلك\" على الأرض - فجل أصدقائي غالبيتهم من الليبراليين وأنا أحترمهم وأحترم كتاباتهم حتى وإن اختلفت معهم في بعض ما يكتبون ، لكنني قصدت هنا \"غلاة الليبراليين\" الذين غالباً ما يتهمون الإسلاميين باستخدام الدين لاستقطاب الناس إلى صفوفهم ، وهم أيضاً يستخدمون الدين في الاتجاه المضاد لإفزاع الناس وتخويفهم من هؤلاء الإسلاميين بممارسة الإقصاء ، ثم إن أكبر دليل يعكس طرحنا الموضوعي في هذا التحليل هو الحال الذي وصلت إليه كبرى الأحزاب الليبرالية والعريقة داخل مصر -أو حتى في اليمن- والتي تلاشت وتبخرت ولم نعد نشاهد سوى بعض المنظرين لها على الشاشات في الفضائيات والذين لا أبالغ إن قلت بأنهم باتوا يعدون على أصابع اليد الواحدة.
ما أحوج الليبراليين اليوم إلى إعادة تقييم للذات ، والاستفادة من دروس الربيع العربي ، والخروج من رواسب الماضي التي تراكمت عبر السنين إزاء تعاطيهم مع ذاك \"الإسلامي\" ، الذي بات على ما يبدوا ليبرالياً وحداثياً أكثر منهم ، وهو ما يبدوا لي أنه زاد من غيضهم وحنقهم عليه ، ثم عليهم أن يعقدوا جلسات مع ذواتهم تتسم بقدر كبير من الصراحة مع النفس والصدق مع الذات ، ليكتشفوا أنهم ربما أخطأوا أو بالغوا كثيراً في تمجيد نظريات ارتبطت بمسميات للأشخاص هنا أوهناك ، لا ترقى لأن تكون فكراً يمكن أن يشكل إرثاً حضارياً وإنسانياً ضارباً جذوره في أعماق التاريخ والجغرافيا معاً كالفكر الإسلامي .. ولهذا السبب وجد هذا الأخير طريقه بسهولة ويسر في العقود الأخيرة إلى عقول الناس وقلوبهم ، لأنه لم يفعل شيئاً سوى الأخذ بأيديهم كي يعودوا إلى هويتهم .
اخترنا لكم
آخر تحديث
الأحد,29 ديسمبر 2024
الساعة 11:52
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 2025.00 | 2063.00 | |
ريال سعودي | 538.00 | 539.50 |