الرئيسية / كتابات وآراء / الخيواني عرضة للأذى.. حين تكون الدولة غير عاقلة ينفضُّ الناس عنها!! - ماجد المذحجي

الخيواني عرضة للأذى.. حين تكون الدولة غير عاقلة ينفضُّ الناس عنها!! - ماجد المذحجي

د. أحمد عبيد بن دغر
الأحد , 01 يناير 2023 الساعة 12:00 صباحا
ماجد المذحجي-النداء
ماذا يعني كونك مُستضعفاً ومتروكاً كفرد أمام قوة عارية لا يكفي تضامن الآخرين معك لحمايتك من جبروتها والأذى الذي تلحقه بك! العجز مُدمر وبشع، ويحول الفرد -أو الجماعة- إلى شخص مُستنفد ومسحوق وعدواني، وحين يصبح هذا العجز تعريفاً شخصياً مستمراً في مواجهة أي ظرف، تنخفض بالضرورة القدرة على مساءلة الفرد على ما يبدر منه. فهو يصبح مستلباً تماماً لرغبته بالنجاة وبأي ثمن كان.وهنا تماماً تتجلى القيمة في منح "الناس" الإحساس بالأمان وترك الخيارات مفتوحة أمامهم، حيث يصبحون بذلك أقل عدوانية وأكثر قدرة على القبول بالتسويات والتكيف.
يبدو ما تعرض له الخيواني إذاً نتيجة لكوننا أقل قدرة على إنشاء تسويات أقل عدائية مما حدث، وهو إفصاح عمَّا تُلحقه الرغبة "الشخصية" بالانتقام، والتوفر على القوة لتنفيذها. لقد كان الخيواني عرضة لذلك تماماً: شهوة عالية للثأر والتشفي، وقوة عارية غير مقيدة بالأخلاق أو القانون!
لست ضد الخصام في أي من مستويات الحياة، الاجتماعية أو المهنية أو حتى السياسية، فهو حقيقة نتعايش مع احتياجنا لها رغم محاولتنا الترفع تجاهها. ولكن أنا مع تهذيبه بالضرورة، وجعله أقل قسوة، ويرتب قدراً أقل من الأذى في حال "ابتلينا" به. إن ما تعرض له (الخيواني) تعدى الخصام ليصبح فجوراً به، وتشفياً أعمى ألحق جروحاً بجسده، وحريته، ونفسيته، وعائلته. والمفزع في الأمر ليس فقط ذلك الأذى الذي ألحق به فقط، بل تدمير إحساسه الشخصي بالأمان، وجعل عدم الاطمئنان هو العلاقة التي تربط عائلته بالمصير والزمن. لنتخيل بعض ذلك معاً: تتحول بوابة البيت من حارس أمن، إلى منفذ محتمل باستمرار للخطر والمخاوف!!
إن الدولة حين تصبح وسيلة لإلحاق الأذية، والتلفيق، وانعدام المسؤولية، وإقامة تسويات تعتمد على القوة والتلاعب. تفقد قدرتها على إنشاء الإجماع المطلوب حولها من المواطنين، أو إنشاء تعاقد من قبلهم مع الوظائف الطبيعية المفترضة لها، وتنخفض ثقتهم وإقبالهم على تفويضها بإدارة مصالحهم بشكل عقلاني وعادل! إنها تتحول لجهاز استبداد أارعن، يدفع "الناس" إلى تلقي كافة مستويات تمثيلها الرمزية والمادية بشكل ساخر وعدواني، والتحايل عليها، ومقابلتها حال العجز والغضب، بالعنف والتمرد. وهكذا تفقد الدولة قدرتها كلياً على رعاية عوامل الاستقرار، وتصبح الوظيفة المميزة لها هي الإدارة الطارئة والعنيفة على الأغلب، للأزمات المتعددة الحدوث بالضرورة، إضافة إلى أن شكل الحل الذي تستسيغه دولة كهذه هو توزيع منافع "الجباية" التي تقوم بها لتصبح محل ارتزاق لكل ذي قوة غاضب لتهدئة خاطره (بتقديري الدولة هنا دولة ريعية، تعتمد الجباية والقوة، وتتقاسم المنافع مع الفئات والأفراد، اعتماداً على ما يفرضه المنطق الريعي).
إن هذه الانتهاكات المتعددة وغير المقيدة تجاه الأفراد والمجموعات التي تقوم بها أجهزة الدولة تأسيساً على ثقتها بانعدام الخيارات لدى الآخريين، وعلى كونها الوحيدة التي تحتكر حق استخدام العنف بشكل شرعي، تحصرهم في خيار عنفي مقابل، وتأسيس شرعية له، مناطقية أو طائفية أو سياسية، لمواجهة تعسفها وظلمها. وسلوك كهذا يجبر الجميع على التفكير بإيجاد البديل لحماية الذات الفردية أو الجماعية. ومن الضروري هنا للفئات المدنية، التي لا تحتمي بالعصبيات الدينية أو الجماعية، ولا بأي شكل من علاقات القوة غير المعقلنة وغير الخاضعة للقانون، أن تتفاوض على شروط علاقة جديدة مع الدولة، لا تكون مستضعفة فيه، وبالتالي عرضة للانتهاك باستمرار في أي حالة "نزق" عنيف، أو رغبة في الانتقام حال الاختلاف، أو عنصراً يدفع ثمن تسويات مختلة، نتيجة مصالح مختلة وغير واضحة بالأساس، ودون إدراك من قبل الدولة، بالطبع، للضريبة "الفادحة" التي ندفعها -ويدفعها تقدم وتحديث هذا المجتمع- حال تعرضنا لذلك.
ما حدث من تعسف وترويع للخيواني وعائلته يدفع أيضاً للسؤال عن قدرة الاعتبارات الأخلاقية عالية الحضور في مجتمعنا على حماية أي فرد من الانتهاك والظلم، وتبديد الكرامة؟ بالتأكيد لن يكون القانون هو مناط السؤال هنا، فهو أيضاً أحد العناصر المستضعفة في هذا، البلاد، ولم ينتج إقراراً أو تعاقداً جماعياً معه، بل مجموعة القيم والعادات والأعراف الاجتماعية التي تحتمي بالأخلاق، وتؤكد على فكرة الشهامة، وحفظ الكرامة، والعداء للفجور في الأذى حال الاختلاف بين طرفين. خصوصاً وأنها دوماً كانت آلية حماية ناجعة تردع "المتجبر" عن التعسف، وتحمي الأقل قدرة منه. فهل يا ترى تم الاستغناء عمَّا تقوم به من وظائف، أو أن شكل العلاقات الجديد والفاسد، الذي يعتمد على التقوي بالنفوذ والسلطة للتكسب وممارسة التعسف أصابها بالتفسخ تماماً، ودمر الإجماع حولها كقيم وأعراف اجتماعية نافذة ومحترمة، وبالتالي أصبحنا أقل قدرة على الركون إليها لمناشدة "الأقوياء" وذوي السلطة للتلطف بالأضعف في هذا المجتمع؟
إطلاق الخيواني ليس مطلباً يحتاج للانتظار والتفاوض، بل هو حاجة للدولة قبل أن يكون احتياجه هو، أو احتياج عائلته، أو احتياج المتضامنين معه، أو استجابة لضغط المحتجين المحليين أو الدوليين على اعتقاله، و على تلفيق التهم الرديئة وغير المنطقية له. فهي إن فعلت تعيد بناء الاحترام لها والثقة بعقلانيتها، وهو رأسمال مهم تتغذى استجابة وتفاعل "العموم" و"النخب" معها عليه. فإحساس الجميع أن الدولة هي مصدر الظلم والكذب يدفعهم لتجنبها، وتخفيض التعاطي معها إلا للضرورات اللازمة، وتقليص الاحتياج لها، أو التعامل معها، إلى الحد الأدنى الذي يمكن الاستمرار به دونها! كما أن في إطلاقه إنهاء حقيقي للحرب؛ فلا معنى من إيقافها في صعدة وإشعال أسباب لها في صنعاء، وهو فعل إن تم يجعل من هذه الحرب ماضياً منتهياً يجب أن تتم معالجة أخطائه بروية وعقلانية وعدالة، وليس جمراً يتم تغذيته بالطيش والرغبة العمياء بالانتقام فقط