حكاية في شمال اليمن، حيث تمتد سطوة الحوثي العنصرية ليست حكاية عادية يمكن إضافتها ضمن سلسلة «الانقلابات» المصوّرة لمجرد التثقيف أو التوثيق، إنها غزو، ومن يهتم بما يحدث في بلادي، عليه أن يصغي لما أقول:
*بعيدًا عن من أسقط صنعاء رجمًا بالغيب أو ضرباً بالتكهنات، فقد حدث الأمر، وسقطت دولة كاملة في قبضة مجتمع آخر لا يعترفون بيمنيتهم رغم أنهم يلبسون لباسنا ويعيشون بيننا منذ مئات السنين، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يوجهون فيها حرابهم نحو المجتمع اليمني، بل يبدو أن تكرار غزواتهم لم يتوقف منذ 1150 عامًا!*
اليمن بلد غريب، وتركيبته السكانية معقَّدة، وصبغته المذهبية ضائعة ومشتتة، وهويته الوطنية مفقودة، ورموزه التاريخيون مفقودون بداخل أضرحة لا يزورها أحد!
*قدرة المجتمع الآخر الذي يسكن اليمن على ابتلاع المجتمع الحقيقي فاعلة ومؤثِّرة، ويُشار إلى هذا المجتمع بأولئك المهاجرين الذي جاؤوا مع الغزوات الفارسية الإمامية القديمة، ثم استحلوا فكرة الانتساب إلى «آل البيت» بعد أن وصلوا إلى قناعة أن اليمنيين حزموا أمرهم ألا يتولى شأنهم فارسي آخر، فكانت دعوتهم العنيفة لقبول مبادئ الزيدية - الهادوية التي جاء بها «يحيى حسين قاسم طباطبا» إلى صعدة غازيًا، مدَّعيًا أن ملامحه الفارسية جزء من نسل نبي عربي عظيم.*
وبإصرار قاتل الرجل، وتبعه في إصراره كل من يتوق إلى إمامة مغالية في حصريتها العرقية، ولا شيء يهزمهم إلا الإصرار على النيل منهم، إن رفعوا سيفًا ارفع لهم بندقية، وإن صدحوا بحديث، اخرج لهم ألف حديث، وإن قالوا فقل حتى تخرسهم، وإن فتنوا فاحذر فتنتهم ولا تستفزك أشياؤهم ومصطلحاتهم.
*قبل الحرب، كنا نعيش معهم، وحين داهم الحوثي ومَن معه مدننا، توحَّدوا عرقيًا إلا ما ندر ولا حكم للنادر، قبل الحوثي كان حميد الدين، وقبله شرف الدين، وقبلهما الناصر، والمنصور، والمهدي والديلمي، وابن حمزة. عائلات من سلالة واحدة مثل الإنفلونزا، تتشابه في الأعراض ولكنها تختلف في المسميات، حين تهزمها وتطردها من جسدك، تعيد إنتاج ذاتها بخواص أخرى ثم تنهشك، وفي آخر الأمر تكتشف أن هناك عائلة من ذويها اسمها «كورونا» أشدها وطأة وبشاعةً، تمامًا كما كشف الحوثي عن بشاعته ولم يأت وحيدًا إذ كان نتيجة لتجارب فاسدة أهلكت اليمن، ولا تزال تفعل ببلادي كل أمر شائن ومميت.*
إننا نعاني، نعاني بشدة، والأفق مغلق، والضوء يحجب نفسه عن أطلال منازل أكلتها المتفجِّرات، وقد بات كل شيء في اليمن أسير أهواء ينصرها المال.. لكن لعله خير..
*فما يحدث في الشمال، قد يكون بداية لمعركة اليمنيين مع أنفسهم والكف عن الصراخ في وجوه بعضهم، والتوجه إلى عدو يصر على القتال، ويجب أن يسمع أصواتنا متَّحدة واثقة تقول له: سنقاتلك أيضًا أيها الوغد.*