الرئيسية / كتابات وآراء / الحوثيون والثورة وتركة الرجل المريض!!!

الحوثيون والثورة وتركة الرجل المريض!!!

د . عبد الملك الضرعي
السبت , 19 نوفمبر 2011 الساعة 02:40 مساء
تشهد اليمن في الوقت الراهن تحولات سياسية ترسم معالم اليمن ما بعد علي عبدالله صالح ، وتعد ثورة الشباب السلمية رافعة التحول السياسي منذ شهر فبراير2011م ، ومع التغيرات المتسارعة في المشهد اليمني برزت في الأسابيع الأخيرة أحداث هامة ستؤثرفي رسم مستقبل المشهد السياسي في اليمن خلال العقود القادمة ، ومن تلك الأحداث تحركات التيار الحوثي في محافظات شمال وشرق صنعاء والذي يمثل تحولاً جديداً في تفاعلات المشهد السياسي والعسكري والأمني والإداري ، وبعيداً عن فلسفة التخوين والتأمر سنحاول مناقشة تلك التطورات من وجهات نظر متعددة ، وقبل النقاش نود التأكيد على مسلماتنا الرئيسة في تحليلنا الموضوعي لتلك التحولات ، تكمن في أن التيار الحوثي هو تيار يمني يمتد في العديد من المحافظات من خلال التوجهات الفكرية التي يحملها ، وهو جزء من ثورة الشباب الشعبية السلمية ، ولهذا التيار مظلمة تتعلق بأحداث حروب صعدة السابقة، كما أن التيار مقرب من جزء مكونات اللقاء المشترك، يضاف إلى ذلك أن الأصل المرجعي الفكري المفترض لهذا التيار هو المذهب الزيدي أحد المذاهب الإسلامية في اليمن وليس المذهب الإثنى عشري ، وقد جاء تناولنا لهذا الموضوع نتيجة المتابعة الشخصية للحوارات التي تدور على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت وحديث اليمنيين سواء في مجالسهم أو حواراتهم العادية حتى في وسائل المواصلات العامة، ويمكن أن نلخص تلك الحوارات والنقاشات في عدد من النقاط بهدف النقد البناء بغية أن يكون هناك نقاش مسموع يوضح أي لبس في تلك المستجدات وبما يؤدي إلى دفع الشبهات وتأكيد الحقيقة ، وذلك كما يلي :
أولاً/ يشكل الحوثيون أحد مكونات الثورة الشبابية الشعبية السلمية ، وكل المكونات الثورية متفقة على رفض الإستبداد والهيمنة المناطقية أو الفكرية ، كما أن مكونات الثورة تضع في قائمة أهدافها وممارساتها القبول بالآخر وجعل التنوع المذهبي أو المناطقي رافد لبناء اليمن الجديد لاسبباً في تمزقه ، وعليه بدأت تساؤلات حول مدى التزام التيار الحوثي بتلك المنطلقات الثورية من خلال حصار منطقة دماج أو ممارسات أخرى في المناطق التي وصلت سيطرتهم إليها في محافظة حجة وعمران وصنعاء مثل القول بمحاولة فرض المذهب الإثنى عشري بالإكراه ،ويشكل حصار منطقة دماج مخالفة صريحة لأهداف ثورة الشباب السلمية الشعبية التي تؤكد على مبدأ القبول والتعايش مع الاخر مهما اخلتفنا معه ، ويمثل ذلك الحصار شكل من أشكال التطهير والإجتثاث المذهبي وهذا أيضاً يعد رفضاً للقبول بالرأي الآخر ، كما يمثل حصار دماج ومن ناحية إنسانية بحته إخلال بحقوق الإنسان الأساسية ، وبالتالي على الحوثيين أن يبينوا بشكل علني حقيقة موقفهم من حصار منطقة دماج لأنه يمثل سابقة خطيرة ، وينقل صورة مشوهة لطبيعة توجهات التيار الحوثي التي تؤكد عليها بياناتهم الرسمية ، ثم على جماعة الحوثي أن تكبح شهوة التطرف داخل الجماعة إذا كان ذلك لايمثل التوجه العام والرسمي للتيار.

ثانياً/ يدور حديث حول التنسيق بين بقايا سلطة على صالح والحوثيين ، وذلك تحت بند (ما صداقة إلاَّ بعد عداوة) بل أن بعض النقاشات تذهب بعيداً لطرح الموضوع كتحالف طائفي مناطقي على قاعدة (أنا وأخي على إبن عمي وأنا وإبن عمي على الغريب) أو من وجهة نظر سياسية أن عائلة صالح ستسلم المناطق التي تسيطر عليها للحوثيين نكاية بخصمهم الرئيسي التجمع اليمني للإصلاح أو من يطلق عليهم الحزب الحاكم (الإخوان المسلمين) ، ويمثلوا القوة المقابلة للتيار الحوثي في تنظيمها السياسي والفكري ، وذلك بهدف شق الصف بين مكونات الثورة الشبابية من خلال المقولة السائدة (فرق تسد)،وتستدل بعض الترسيبات الإعلامية من محافظة حجة أن مناطق كانت تحت سيطرة المؤتمر الشعبي العام ، سلمت إداراتها بشكل هادئ لمناصري التيار الحوثي ، وهذه التسريبات شديدة الخطور لأن الأصل في أهداف الثورة الشبابية أن توحد جهودها في مواجهة السلطة الحاكمة ، وبالتالي يعد التحالف مع عائلة علي عبدالله صالح -إن تأكد- خيانة لثورة الشباب ودماء المئات من شباب الثورة بمن فيهم بعض شباب التيار الحوثي ، بل وخيانة لعشرات الألاف من ضحايا حروب صعدة الستة ، ثم إن ذلك التحالف إن تأكد سيعني أن وجود الحوثيين في ساحات التغيير والحرية لم يكن خياراً ثورياً بل تكتيكاً مرحلياً ، وهو ما كانت تردده وسائل إعلام الحزب الحاكم في الأشهر الأولى لثورة الشباب، ومن ثم على التيار الحوثي أن يبين بشكل واضح موقفه من تلك التسريبات من خلال مواقف عملية تنفي تلك الشبهة.

ثالثاً/يشير البعض إلى أن التيار الحوثي يحاول السيطرة على عدد من محافظات الشمال ليحولها إلى دولة شيعية تتبع المذهب الإثنى عشري ، على إعتبار أن ذلك جزء من مخطط إقليمي ترعاه إيران في إطار التوازنات الإقليمية السياسية والمذهبية ، وتلك الرؤية تستند إلى الدعم الإعلامي للحوثيين في وسائل الإعلام المحسوبة على إيران وحلفاؤها في الإقليم إضافة إلى مايشاع عن الدعم المالي من بعض الجماعات الشيعية في إيران ، يساعد على بروز تلك الرؤية بعض التصريحات الإعلامية والشعارات التي يستخدمها بعض الإخوة المحسوبين على التيار الحوثي وليست مألوفة في المناطق اليمنية التي يسود فيها المذهب الزيدي ، وبالتالي نأمل من الإخوة المنتسبين إلى التيار الحوثي أن يؤكدوا على خصائصهم الوطنية اليمنية من خلال الإبتعاد عن طرح ما يراه البعض إمتداد للفكر الشيعي بمرجعيته الإيرانية ، وأن يكون خطابهم الديني يتوافق مع مرجعية المذهب الزيدي ، كونه أحد المذاهب الإسلامية السائدة في اليمن والذي يتركز تأريخياً في المناطق الواقعة شمال صنعاء .

رابعاً/ يؤكد بعض الإخوة الحوثيون أن تحركهم في محافظات شمال وشرق صنعاء جاء لسد الفراغ الناتج عن تراجع السلطة المركزية ، وأن ذلك يأتي في سياق التصعيد الثوري وتحرير بعض المحافظات من سلطة عائلة الرئيس صالح ، وبالتالي فالتحرك الحوثي لايخرج عن إطار ثورة الشباب الشعبية السلمية كون التيار الحوثي أحد مكوناتها الثورية ، وأن تلك التحركات ترجع لأبناء تلك المناطق وليس من خارجها ، وعليه وإنطلاقاً من الشراكة الوطنية في التصعيد الثوري الذي تلعبه كل مكونات قوى التغيير ، فإن رؤية الحوثيين تلك مقبولة على أن تعزز بتحولات سياسية على الأرض تتمثل بتمكين قوى الثورة من إدارة تلك المناطق وفق مبادئ الحرية والديمقراطية والدولة المدنية ، بمعنى أن لايكون هناك فرض لتوجهات فكرية معينة تناقض ماهو سائد في تلك المناطق سواء بالإكراه أوباستبعاد الآخر.

أخيراً نود التأكيد أن حدوث التغيير السياسي الأمن ضرورة من الصعب تحقيقها دون توافق وطني وخاصة بين المكونات السياسية والاجتماعية الرئيسية في اليمن ومنها الحوثيين ، بينما سيؤدي محاولات بعض الأطراف فرض الأمر الواقع كنتيجة لتهاوي سلطة الرجل المريض ونعني به الرئيس علي عبدالله صالح والذي يعاني من المرض الجسدي والسياسي ، وبالتالي فتلك المحاولات التي تحاول عدد من الأطراف فرضها كواقع تحت فوهات البنادق وفي عدة محافظات في الشمال أو الوسط والجنوب ، لن يحالفها الحظ لأن شباب الثورة السلمية لم يقدموا أرواحهم ودماؤهم لتبديل الشمولية والفساد السياسي والإستبداد بأدواته القديمة باستبداد جديد يحمل العباءة المذهبية أو المناطقية أو الفكرية ، بل قدموا تلك الأرواح لبناء يمن جديد يحلمون به تسوده الحرية والمواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في القوة والثروة والسلطة ، ويحتكم فيه كل أبناء الشعب دون إستثناء للنظام والقانون ، تلك المبادئ يجب أن تسود من صعدة إلى عدن ومن المهرة إلى الحديدة ، أما إعادة إنتاج الإستبداد والهيمنة المناطقية والمذهبية تحت راية الثورة ،فذلك يضع اليمنيين جميعاً أمام خيارات جديدة تعيد النظر في آليات الحكم من بينها الفيدرالية الوطنية ليس على مستوى الشمال والجنوب ، بل ايضاً على مستوى الجهات الأصلية الأربع ، نأمل من كل قوى الثورة الشبابية الشعبية السلمية على امتداد الوطن أن لاتستدرج إلى فخ الصراعات ، من خلال طعم قد تقدمه السلطة لبعض المكونات في الشمال أو الجنوب أو الوسط أو الشرق أو الغرب ، لأن تلك الصراعات هي رهان السلطة في وأد الثورة الشبابية الشعبية السلمية ،نرجوه تعالى أن يحمي اليمن من كل مكروه وأن يوحدأبناءه على الحق والخير إنه على ما يشاء قدير.