الرئيسية / كتابات وآراء / عن الكفر والهلع

عن الكفر والهلع

مروان الغفوري
الأحد , 31 مايو 2020 الساعة 11:12 صباحا

الخوف من الوباء هو آلية طبيعية تتطلبها مواجهته، الخوف عملية منطقية بخلاف الفوبيا (الخوف غير المنطقي)، علينا أن نخاف؟ نعم، لماذا؟ لأن الخطر الحقيقي، ولأننا لا نملك ردا عليه. 

وماذا عن الفوبيا، الهلع؟ هذه استجابات مبالغ فيها، نشاهدها لدى مجموعتين بشريتين: المجموعة الأولى هم الناس الأكثر ميلا للهلع في الحياة بشكل عام، من يعانون من سلسلة فوبيات من الطيران إلى الأماكن المغلقة، ومن المرتفعات إلى الحشرات. المجموعة الثانية، وهي الأهم، هم الناس الذين يفتقرون للمعرفة الكاملة إزاء الحدث. 

ما السبيل لعلاج المجموعة الثانية؟ التنوير المستمر، تزويدها بالمعلومة في سياق رياضي حازم، ضرب الأمثلة وتقديم النماذج، شرح الخطر ومدى خطورته، عرض نماذج كفاح مثيرة للإعجاب، التكرار. وأحيانا: الصدمة، علينا أيضا، من وقت لآخر، أن نقدم العظة والعبرة، ذلك أن الخطر ليس متخيلا، وأنه سيصل إلى أكثر "الكفار كفرا".

 الكفر هو التغطية والجحود، على الناس أن تعرف أن طه المتوكل، أبرز الكافرين، أصيب (وتعافى)، وأن زوجة كافر عملاق، وهو رجل دين من وسط اليمن، وضعت فجر هذا اليوم على جهاز تنفس اصطناعي، العظة تعلم، العبرة تدل على الطريق، الحقيقة إبصار، الأرقام قوة، والكفر ظلام دامس يجلب الهلع وينكب صاحبه. 

 عندما رأى البريطانيون جونسون في إصابته تيقن المتطرفون من وجود المشكلة، التنوير ليس إثارة للهلع بل للخوف، أي للاستجابة، إذا لم تشعر بالخوف فأنت لم تفهم شيئا. 

 إذا  فشلت السلطات في تعطيل الحياة، بسبب عجزها أو غيابها، فليفعل الخوف ذلك، على الخوف أن يحمي أولئك الذين لا تحميهم السلطات، قالت ميركل أن الحياة تواجه أكبر تحد منذ الحرب الثانية. قال ماكرون إنها حرب، قال جونسون استعدوا للموت، وشبه بوتين الوباء بالقبائل التي حاصرت موسكو قبل ألف سنة، وقدم أردوغان تشبيها أكثر غرابة  عن مدن وقبائل وغزاة، وقال ترامب إنه ذاهب للقتال. 

تحفيز للخوف من أعلى المستويات باستخدام أكثر الدوال اللغوية غموضا وعنفا: الموت، الحرب، الهلاك، الحصار،  العدم. 

احتج كثيرون على ما كتبته في الأسابيع الماضية، وقال أطباء إني أساهم في نشر الذعر، بعضهم قال إنه ألغى متابعة صفحتي. 

هذا هراء، المعلومة لا بد وأن تفعل فعلها، إذا دفعتك المعلومة إلى تغيير موقفك فقد نجحت في سياقها الطبيعي، إذا أصابتك بالهلع فقد فشلت أنت إزاءها. 

الهلع في دولة الحوثي مرده إلى غياب المعلومة وانهيار الحقيقة، لا بسبب التنوير والمعارف، يموت الناس في منازلهم بسبب الأساطير والخرافات، مثل: منذ شهرين يدخل الناس إلى مستشفى الكويت ولكن لا أحد يخرج، أين يذهبون؟ هذا السطر البسيط كفيل بزعزعة الاستقرار النفسي في مدينة كاملة. 

التنوير القائم على الدراسات والبايوستاتيستيكس (احفظ الكلمة هذي بدل ما تتندر عليها!) يساعد على تخفيض انفعالاتك من الهلع إلى الخوف، إلى السيطرة على موقفك النفسي والعقلي.

عندما أتحدث إلى مرضاي وأشرح لهم ما الذي ننوي فعله من عمليات تداخليه، وأطلب منهم التوقيع على الأوراق، أطرح عليهم هذا السؤال: هل تشعرين الآن، بعد حديثنا، بالخوف؟  إذا قالت السيدة "لا" أقول لها: يعني هذا أنك لم تفهمي كلامي، أو أنك لم تركزي مع ما قلته. ثم أعود إلى البداية، أرسم القلب على ورقة بيضاء كبيرة، أرسم مسارات الضفائر والشرايين والصمامات، ثم أشخبط بالأزرق.