يبدو أن ذلك حدث قديماً: شخص رأى الناس يكتسون للعيد، وكان قانعاً، لا يملك حق الكسوة، فواسى نفسه وقال: العيد عيد العافية!.
أو يبدو أن رجلاً رأى فقراء حزانى بطرف أسواق البز، يحدقون في الذين يشرون الأردية والحلل تأهباً للعيد، وأن هذا الرجل لم يكن يتزيا بزي قشيب غير الحكمة، فقال للفقراء: لا تبتئسوا.. العيد عيد العافية!.
كل الاحتمالات واردة، الشيء المؤكد الوحيد، أن هذه الحكمة يمنية خالصة.
المريب، أن يكون من قالها، قد استشف المستقبل الذي سنصل إليه، وقال: "العيد عيد العافية"، لأن هذا العيد، يمر على ناس العالم كله، وهم بحاجة إلى العافية.
وفي بلد الحكمة المختفية، مازلنا نلهث خلف الحياة، غير مكترثين بالعافية في العيد أو بغير العيد، إذ مازالت الأسواق مزدحمة والأسر تتسابق ناحية المعارض، لرؤية الملابس ومقايسة حلويات العيد ولو بالنظر، رغم التحذيرات المختلفة والمخاوف التي أعلنتها منظمة الصحة العالمية "من إصابة ما يقارب من نصف عدد السكان في اليمن بفايروس كورونا كوفيد19". لم يتأثر اليمنيون في حياتهم، كتأثرهم في هذا الوقت:
ـ معظم الأسر اليمنية، تعتمد على حوالات المغتربين، والمغتربون هذه السنة لا يعملون، يعيشون في الحجر الصحي، يبحثون عن ثمن وجبات، لا خير المغتربين وصل لأسرهم ولا وصل لمن يتفقدونهم في موسم التفقد!.
ـ ما ضاعف المأساة، تحديدا في مناطق سيطرة الحوثي، إجراءات الجماعة بخصوص عدم التعامل مع العملة ذات الطبعة الجديدة، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع السلع من جهة، واحتيال بعض التجار لأخذ الفارق مقابل صرف عملة جديدة، هذا ـ بالطبع ـ يستفيد منه المشرفون الذين يلهفون القديم والجديد، والأباطرة المقربون منهم.
ـ المواطن المسكين إن حصل على عملة جديدة، يصرفها بشق النفس وبقيمة متدنية، هذا إذا لم يرها مسلح من الجماعة وقام بمصادرتها بذريعة أنها "عملة المرتزقة"، وإذا حصل المواطن على عملة قديمة رثة، يصرفها بشق النفس وبقيمة متدنية لأنها رثة، علاوة على إمكانية حملها لفايروس كورونا شخصياً. لتبدو السياسة الاقتصادية في مناطق الحوثيين، وخاصة في تعز وإب، تسير طبقًا لمبدأ: المدهون ادهنه، والأغبر زيده رماد!.
ـ أما الارتفاع الجنوني في نسبة عمولة تحويل الأموال، فحدث ولا حرج، تبلغ 12%، محلات الصرافة، بشراك، ما تقصر، استفادت من قرار الحوثيين، لتقسيم الأرباح مناصفة، ما يفكد اليمني هي نغمة الصرافين المصبوغة بروحانية رمضان وتعاليم الدين: شهر الإحسان... واستلم حوالتك..
ـ في مناطق الشرعية، لا مرتبات، سيول جارفة، مواجهات على خطوط النار، والمفصعون على أطراف الأسواق، بنادقهم مشهرة تجاه المحلات والمارة، يريدون "مصاريف التفصيع". الخلاصة: كل الدوافع والمحفزات التي تستدعينا للذهاب إلى السوق منعدمة، وأن كل ما سبق، يحتم على اليمني أن يعي الحكمة التي تقول: العيد عيد العافية!.. هذا إذا لم يكن مقتنعاً أن "كوفيد19" ينتشر بسرعة، وأن البقاء في البيت لتلمس العافية أفضل من الخروج ليكون الكفن هو الكسوة الجديدة لهذا العيد.