البحث عن مسار بديل للعيش، هذا ما يبحث عنه سكان عدن بعد وقوعهم في دوامة المخاضات الصادمة للعراك السياسي الذي وقعوا ضحيته رفقة مدينتهم الخاضعة قسرًا لانفلات سياسي وعسكري وأخلاقي من قبل كيانات مسلحة غير شرعية.
يحاول المجلس الانتقالي تقديم نفسه كبديل حصري عن أجهزة ومؤسسات الدولة الخدمية، ويفرض ذلك على الجميع بقوة السلاح، مستخدمًا الروابط القبلية والسلالية والمناطقية للقوى المسلحة الفاعلة فيه والمسيطرة على الإدارة الواقعية لعدن، وهو بهذا يعمل على تضييق الخناق بحق سكان المدينة الوديعة، ويزيد الطين بلة بسبب ممارساته التي تتجاوز قدراته وأهدافه المعلنة، ولا يعدو بأي شكل من الأشكال عن كونه جريمة في حق الأبرياء من سكان عدن، من وجدوا أنفسهم ذخيرة تراشقات وسجالات لا نهاية لها.
لا أداروا الوضع، ولا تفاعلوا مع ما يجري، يقفون متفرجين، بآلة إعلامية تسوّق المظلومية المدّعاة من قبل القادة الانتهازيين، ويفاقمون الأمور تعقيدًا وسوءًا، ويعملون ليل نهار على تقديم أنفسهم كمنقذين وحيدين، فيما تقدم عدن أكبادها ضحايا لمواجهة فيروس كورونا وأوبئة أخرى أحاطت بها بعيد كارثة السيول التي واجهتها عدن في وقت سابق من الشهر الماضي.
كلما تتدارك عدن نفسها، وتنفض عنها غبار أزمة مضت، وتتنفس الصعداء، كلما أُحيلت إلى أزمة أخرى، وكأن قدرها كضحية ملزمة بمواجهة كل ما يدور وسيدور على كافة الأصعدة، من خلافات سياسية، ومواجهات عسكرية، وأوبئة صحية، وأزمات إنسانية.. "أم المساكين" وحيدة في مسارها الذي يعني مزيدًا من المعاناة والأسى.
نحن ضحية سياسة شبه الجزيرة، هكذا عبّر صديقي العدني عما يدور في مدينته، قالها بغصة، وهو يدرك أكثر مني أبعاد كلامه؛ لارتباطه بالواقع ومعايشته الأحداث أولًا بأول.. الثغر الباسم تلاشت ابتسامته، وأصبحت الدموع علامة ملازمة للمدينة المدللة لدى اليمنيين، كل هذا بسبب الانتهازيين، ودعاة الانفصال الذين لا يملكون الشجاعة الكافية للوقوف إلى جانب عدن وقفة إنسانية دون مصالح وارتباطات تتجاوز المدينة والقضية المُدّعاة.
كغيري من جيل الوحدة، نُجمع على أن هناك مظلومية تعرّض لها الجنوب ككل، بشكل أو بآخر، نتاج سياسة ما، وممارسات تتنافى مع ما أجمع عليه اليمنيون حين اختاروا الوحدة، ولا تعبّر إلا عن نظام تسلطي، عمل صالح على تكريسه حينها وما زلنا ندفع ثمنه إلى اليوم. لكننا كما أجمعنا على المظلومية، توصلنا ومعنا كل محب للكيان اليمني بأن ما توافق عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار هو الحل الأمثل للقضية الجنوبية، وكل المعالجات التي تم طرحها هي الأنسب، ومن انحرف عن ذلك فلا يمثل إلا نفسه ولا يعني الناس هناك أي خطوة يخطوها، وهذا ما نلمسه شعبيًا من حالة الرفض المستشرية في أوساط الشارع الجنوبي، والمتباينة مع كل ما يحاول المجلس الانتقالي فرضه عنوة.
لا يُعقل أبدًا، أن يحل كيان مسلح انتهازي، لا ارتباط أيديولوجي له بالأرض التي يدافع عنها -كما يقول- محل الدولة ومؤسساتها، مهما كانت أعذاره، ومهما كانت قدراته، بل الأحرى والأولى والأجدى أن يكون في خندق واحد مع الحكومة الشرعية، ويظهر لأبناء جلدته وقوفه إلى جانبهم والعمل على حل قضاياهم لا مفاقمتها كما يفعل بإجراءاته الأحادية.
لا نتمنى أن تظل الحالة بهذا القدر من الاستعصاء، فالضحايا كُثر، والأوبئة لا تعترف بما ينجم عن السياسة ومتغيراتها، فهدفها أن توقع المزيد من الإصابات، دون تفريق، وهذا ما لا يريد الانتهازيون وتجار الحرب إدراكه؛ إذ يعملون على تحويل الأمر للفائدة والاسترزاق.. حمى الله عدن وأهلها من أوبئة السياسة قبل الصحة!