الرئيسية / كتابات وآراء / كيف ماتت الحالة الأولى وكيف سيموت الآخرون

كيف ماتت الحالة الأولى وكيف سيموت الآخرون

مروان الغفوري
الأحد , 10 مايو 2020 الساعة 09:39 صباحا

أدعي أنه صار عندي صورة معقولة عن حالة الجهاز الطبي في عدن وتعز، من خلال حديث مستمر مع أطباء عاملين في المدينتين.  

السيناريو الذي من خلاله توفي الشخص المصاب بكوفيد ١٩ في تعز مذهل. لن أتحدث عن التفاصيل الإكلينيكية المعقدة وتطورات الحالة. فقط تخيلوا هذه اللحظة، ثم سأطرح عليكم سؤالا: دخل المريض في سلسلة متتالية من اضطرابات النبض البطينية شبيهة بما نسميه في طب العناية ب  Electrical storm أو العاصفة الكهربائية.  A fulminant myocarditis?  Possible!

قال الطبيب المعالج: استخدمت علاج أميودارون للسيطرة على الاضطرابات الكهربائية ولم أفلح، فلا يوجد لدينا جهاز صدمة كهربائية! حتى هذا الجهاز، ما يكلف فكة فلوس، غير متوفر. أجاب: بلى، أظن أن هناك جهازا ما في المخازن، لست متأكدا!

في المجمل كان المريض قد انزلق إلى صدمة تسممية/ إنتانية وصدمة قلبية معا، وهو أسوأ سيناريو يمكن لطبيب عناية مركزة أن يواجهه.

صارت لدينا بيانات كثيرة تتحدث عن الأضرار القلبية التي يسببها كوفيد ١٩، وقد تكون مميتة. أصدرت الجمعية الألمانية لأطباء القلب في الأسبوع الماضي "تقدير موقف" حول المشاكل القلبية التي يسببها كورونا في العناية المركزة.  متوفر لدي، لو حد عايز. 

ليس هذا ما أريد نقله لكم، بل شيئا آخر: مع بداية الانعاش القلبي سحب الطبيب المعالج عينة دم من المريض لفحص غازات الدم وقيم أخرى. لا يوجد جهاز لهذا الفحص في قسم العناية المركزة في المستشفى الجمهوري حيث مركز العزل الرسمي (قيمة الجهاز تقريبا ٦٥٠ دولار!) سلمت عينة الدم لمرافق المريض في الخارج. استلم المرافق العينة وسافر بالسيارة إلى مستشفى الصفوة. عاد بالنتيجة بعد ساعة. كان المريض قد توفي. 

في العادة أثناء عمليات الإنعاش نجري مثل هذا الفحص كل خمس دقائق (تقديريا) لمعرفة تطورات عمليات الإنعاش ضمن معايير أخرى. هذه صورة قروسطية مكتملة.

الأطباء الذين اعترضوا على الوضع بالمجمل، وطالبوا السلطات بمناشدة العالم لتزويدهم بوسائل حماية شخصية تلقوا تهديدا صارما من مدير مكتب الصحة بإقالتهم. المدير هو قريب من رئيس وزراء (ابن عم، أو ما شابه). هذه مسألة فنية ومع ذلك فلا يمكنك في تعز أن تتحدث عن ذلك. الرجل محمي بفريق طويل من الدوشجية الجاهزين لاتهامك بأسوأ الاتهامات. بلد يذهب إلى الجحيم وهو يزمجر ويتوعد. 

قاعدة:  لا أحزاب في الجحيم،  يا حمقى  يا أهل الجحيم.

تخيلوا: لا توجد بومبة ضخ وريدي، حاجة قيمتها فكة دولارات. أتحدث هنا عن العناية المركزة في مركز العزل المركزي في أكبر محافظة في اليمن. 

لاحظوا هذا: حصلت المحافظة على ستة أجهزة تنفس من جهة دولية. وزعت الأجهزة كالتالي: ٢ لتعز الحوثية، ٢ لتعز الشرعية، ٢ لتعز الساحل.

المدينة التي يعيش فيعا قرابة مليون شخص وتزود الصحة لمئات الآلاف في الريف تملك هذه الإمكانات: ٣ أجهزة تنفس في مركز العزل في الجمهوري ٤ أجهزة في مركز العزل في مركز حمود المخلافي. 

ولا تملك أي شيء نعرفه عن وسائل الحماية الخاصة بالفريق الطبي. الأطباء الذين اتصلوا بالحالة الأولى، المتوفاة، وضعوا في الحجر الصحي!  

هذا ما فعلته خمس سنوات من الحصار. لو أصيبت عشر حالات فإن المنظومة الطبية ستنهار بالكامل! هذا تقدير قائم على معرفتي بالأرقام. 

وفوق كل هذا هناك المشكلة الأساسية لمحافظة تعز: مركز الدوشة في اليمن.

هناك حالتان محتملتان الآن (احتمال عال أن تظهر الفحوصات إيجابية مع نهاية هذا اليوم)، إحداها وضعت على جهاز التنفس في وضع إكلينيكي مزري وهو مريض قادم من عدن. 

قام فريق الرصد الوبائي بنشر قائمة المخالطين للمريض على واتس أب. وصلتني القائمة، وقرأت أسماء إخوة وأخوات المريض، خالاته، أبناء وبنات عمومته إلخ. ومعي عرفت كل الجمهورية ذلك. 

فريق الرصد "الدوشجي، وغير الملتزم بأخلاقيات المهنة"  سيدفع الناس للموت في المنازل هربا من "العار". زميل من تعز أرسل إلي محادثة مثيرة بينه وبين ممرض: الممرض: يا دكتور فيبي سعال وحمى تقول كورونا؟ الطبيب:اجلس في البيت، لو دري فريق الرصد بيبهذلوا بعارك ويفضحوك في الجمهورية كلها. 

قال لي الطبيب، وهو ضمن منظومة مكافحة الوباء: يقف الأطفال أمام المنزل ويصيحون، عند وصول الفريق: كورونا كورونا كورونا. وعند خروج المريض المشتبه بإصابته من منزله، صحبة الفريق، يعيد الأطفال الأغنية نفسها وبعضهم يصفر ويصفق. 

ثم يقوم فريق الرصد ويرسل بيانات المريض وذويه للاستهلاك الشعبي. وقبل أن تعزل الأسرة نفسها يقوم المجتمع بعزلها في سياق مليء بالإشمئزاز! في المجتمعات البدائية كانت إصابة المرء بالوباء دليل خطيئة. حتى إن كلمة الطاعونpest تعني في النهاية، لغويا، العار أو الخطيئة.  

هذه أيضا ليست المشكلة الرئيسة.

الحقيقة أني كتبت هذا البوست لأطرح عليكم هذا السؤال: علام تتقاتلون؟

من أجل أن تظفروا بكل هذه المأساة، وتربحوا جانبا من أسوأ   كارثة على وجه الأرض؟

هناك حيث يأخذ المرء عينة من دم شقيقه الذي توقف قلبه ثم يسافر ساعة كاملة بحثا عن معمل، فيعود وقد انتهى كل شيء؟

من أجل هذا البؤس، حول هذا الخرابة تتقاتلون، وتتناحرون وتبيعون خدماتكم؟

م.غ.