مجالات الاستثمار في العالم كثيرة ومتعددة، ومنها ما هو شرعي وغير شرعي، وتختلف من بلد إلى آخر بحسب السوق ومتطلباته.
في البلدان التي تشهد استقرار وتمنية ونهضة يزدهر الاستثمار في أعمال البناء ومتطلباته، والنقل والإسكان والتجارة والصناعة، بينما في البلدان التي تشهد حروب ونزاعات مسلحة يزدهر الاستثمار في مجال استيراد وبيع السلاح وأعمال المنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان.
لكن أن يصل الحال إلى الاستثمار في القتال وصناعة مليشيات للإيجار في الحرب وتأجير المقاتلين وخوض معارك مدفوعة الثمن مقدماً، والتحرك بحسب توجيهات الجهة الداعمة والممولة، فقد تكون هذه حالة نادرة، إلا أنها موجودة في اليمن.
لدينا في اليمن مليشيا للإيجار، مالكها والمستثمر فيها يجيد صناعة المقاتلين، ويلبي طلبات الزبائن على أكمل وجه ولديه استعداد عالي في تلبية الطلبات السريعة والمستعجلة.. هوايته ورغباته في الاستثمار في هذا المجال وقدراته التي يمتلكها في صناعة الموت والتجارة بالبشر، جعلت منه مستثمر ناجح في مجاله.
تلك القدرات والمواهب التي يمتلكها والهواية الشخصية شجعته على الاستثمار في مجال الحرب وصناعة الموت، مثلما قدرات الآخرين وهواياتهم في صناعة الحياة شجعتهم على الاستثمار في توفير متطلبات الحياة من تقديم خدمات في مجال الصحة والغذاء والتعليم والإيواء.
وأيضاً لا ننسى أن الحرب في اليمن وفرت بيئة خصبة جداً للاستثمار بالمليشيات في الصراع، ووجدت بضاعة تلك المنتجات سوقاً رائجاً ونشطاً.
المستثمر عبدالملك الحوثي يجيد صناعة مقاتلين من الطراز الأول، والزج بهم تردد في معارك قبض ثمنها أولاً، ولا يبالي بمصيرهم بقدر ما يهمه إنجاز المهمة وتلبية طلب الزبون على أكمل وجه، ولو على حساب هلاك منتجاته في تلك المهمة، لكن يبقى الأهم هو إنجازها.
استطاع عبدالملك الحوثي تلبية متطلبات القوى الخارجية المستثمرة في مجال صناعة الموت لليمن، بعد أن أجاد صناعة مليشيا للإيجار لا تتوانى ولا تتردد عن تحقيق طلبات المستثمرين مهما كلفها من ثمن.
لا ننكر بأن عبدالملك الحوثي يجيد صناعة المقاتلين، لكنه في نفس الوقت يجيد صناعة القطعان، فكل المقاتلين الذين يجيد صناعتهم يحولهم إلى قطعان من البهائم ويسوقهم إلى المحارق للسيطرة على المنطقة التي يريد منه كبار المستثمرين السيطرة عليها ونقل الصراع إليها.
عبدالملك الحوثي يدرك جيداً أن كبار المستثمرين في حال قرروا الاستغناء عنه والقضاء عليه، سيخسر كل شيء في غضون أيام وسيكون مصير شركته الاستثمارية المليشياوية مصير داعش، وهو لن يقل مصيره مصير البغدادي أو شقيقه حسين.
لو كان لدى الحوثي هدف غير الاستثمار بتلك المليشيا لما سمح له ضميره بالزج بها في معارك نسبة خسارته البشرية فيها تفوق أضعاف الأهمية الاستراتيجية وأيضاً يعرف جيداً أنه متى ما قررت القوى المسثمرة طرده منها والتخلص منه لن تستغرق وقتاً طويلاً، بينما هو سيحتاج إلى سنوات لصناعة مقاتلين بدل فاقد ومستهلك.
لو كان هدف الحوثي البناء والاستقرار لما رضي لنفسه ولمليشياته هذا المصير وهذا العبث وهذه الحرب الاستنزافية العبثية التي تستنزفه وتستنزف الشعب اليمني دون الوصول إلى نتيجة سوى الانحسار والانهيار لكل الاطراف وهو في مقدمتها، فهو أكثر طرف يخسر مقاتلين، وتلك الأسر التي أفقدها الكثير من أبنائها ومعيليها لن تمنحه المزيد من أبنائها ولا توجد لديها مصانع لتعويضهم ولتلبية احتياجاته.
لو كان الحوثي يملك قرار نفسه ويقاتل من أجلها، ولو كانت تلك المليشيات التي صنعها الهدف منها الدفاع عن نفسه وتحقيق مشروعه وليس للإيجار، لما توانى كثيراً عن السيطرة على نهم ومركز محافظة الجوف كل هذه السنوات، لكن التوقيت هذا يكشف مدى تأجيره لمليشياته واستثماره في الحرب بالمقاتلين.
ولو لم يكن يقاتل بالإيجار لما هانت عليه الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدها من أجل السيطرة على نهم والجوف، فهو لا يزال بحاجة إليها، لكن سائق الأجرة لا يهمه تلف الإطارات فأجرة الركاب كفيلة بشراء غيرها.