الرئيسية / كتابات وآراء / البهيمة المُقدسة!!

البهيمة المُقدسة!!

بلال الطيب
الأحد , 08 مارس 2020 الساعة 12:56 مساء

طُغيان الدولة الدينية أسوأ بكثير من طغيان الفرد، قد ينتهي الأخير بموت الزعيم الأوحد، أما الأول فيبقى ما بقيت الدولة؛ كونه يرتكز على اجتهادات الإمام المُؤسس، وتفسيراته الذاتية للنصوص الدينية، والحاكم هنا أيًّا كان، فهو «ابن السماء»، والمحكوم «ابن الأرض», وما على الأخير سوى الطاعة والانصياع، عبادةً لله، وإرضاءً للإمام.        الإمام الطاغية عبدالله بن حمزة أحد المؤسسين الأوائل لنظرية «الإمامة الزّيدِيّة» في اليمن، ومُؤسس «الدولة الزّيدِيّة» الثانية، ما زالت كُتبه ومُكاتباته وأشعاره الأكثر أثرًا وآثارًا في الفِكرِ «الزيدي»، ومَا زالت سِيرته الأكثر ظُلمًا وعدوانًا في تاريخ الإمامة المُظلم، هو مُلهم الأئمة ومُنظرهم الأبرز، فهذا الإمام أحمد يحيى حميد الدين في إحدى حواراته الصحفية يعتبره قدوته، ويشبه نفسه به، وهذا طاغية العصر عبدالملك الحوثي يقتفي أثره خطوة خطوة، ويقلده فكرًا وسلوكًا، والمتأمل لتصرفات وخطابات الأخير يُدرك ذلك جيدًا.

أعلن هذا الطاغية من «دار معين - صعدة» نفسه إمامًا «ذو القعدة 593هـ / أكتوبر 1197م»، وأباح قتل أي يمني غير «علوي» يتطلع للرئاسة والحكم، وروي عنه قوله: «نحن أهل التحريم، والتحليل، والتنزيل، والتأويل، أعلام الهدى، وأقمار الدجى، بحار العلم، وجبال الحلم، فلا تعدلوا رحمكم الله عن منهاجنا، ولا تسلكوا غير فجاجنا، فإن الفتنة بنا مطرودة، والرحمة إلينا مردودة..»، وقوله: «ولو أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خلف بهيمة من البهائم، لكان على الأمة تشريفها وتمييزها على سائر البهائم».        كما عمل على تكريس التعالي السلالي بين أبناء عشيرته، أوهمهم أنَّهم الأفضل، وما دونهم عبيد، واجبٌ مخالفتهم، وذكر «ابن دعثم - كاتب سيرته» أنَّه أمرهم بحلق رؤوسهم؛ لأنهم - حد وصفه - سلكوا مسلك العامة في تطويل شعورهم، وبلغ من عنصريته وسخريته أن خاطب اليمنيين قائلًا: «وارضوا بنا أئمة، نرضكم لنا تبعًا»، وزاد على ذلك مُستهجنًا: وهل تمت لكم أبدًا صلاة إذا ما أنتم لم تذكرونا وهل تجب الصلاة على أبيكم كما تجب الصلاة على أبينا        كما طالبهم بتقديس «العلويين» الأحياء منهم والأموات، وحين لم يقم أبناء قرية «الصف - نهم» - المُتأثرين حينها بفكر «المُطرَّفية» - ببناء مشهد على قبر أخيه إبراهيم - المقتول على يد «الأيوبيين» - ويتبركون به؛ أرسل إليهم برسالة طويلة يهدِّدهم فيها بنقل الجثمان عنهم  إذا لم يفعلوا ذلك «602هـ»، وهي رسالة طويلة نقتطف منها: «قد صغّرتم منه ما عظّم الله سبحانه جهلًا، وجهلتم ما علم الصالحون حيرة وشكًا، فهلا استشفيتم بتراب مصرعه من الأدواء، وسألتم بتربة مضجعه رفع الأسواء، واستمطرتم ببركة قبره من رحمة ربكم طوالع الأنواء, وعمَّرتم على قبره مشهدًا، وجعلتموه للاستغفار مثابة ومقصدًا..».        وحين لم يلتزموا أرسل إليهم: «ألا فاعلموا بعد الذي بلغنا عنكم، أنا قد قَلَيْنا له جواركم، ورغبنا به عن داركم، وعزمنا بعد الخيرة لله سبحانه وتعالى على نقله من أوطانكم، إلى من يعرف حقه، ويتيقن فضله وسبقه»، وبالفعل نقل الجثمان إلى منطقة «الزاهر» في الجوف.

ذات التصرف كرره الإمام يحيى حميد الدين، حيث أرسل إلى قبيلة أرحب يحثهم على بناء تابوت وقبة على قبر الإمام أحمد بن هاشم الويسي المتوفي سنة «1269هـ»، والمدفون في «دار أعلا» للتبرك به، وهدَّدهم إن لم يفعلوا ذلك؛ فأنه سينقل رفاته إلى مكان آخر، فما كان منهم إلا أن بنوا له قبة، ووضعوا على قبره تابوتًا.

كما قام بكتابه أرجوزة طويلة تؤكد حقه وأسرته في حكم اليمنيين، واستعبادهم، شبههم فيها بـ «الذنب» التابع لـ «الرأس» الذي لا يمثله إلا هو وعشيرته، وقال في ذلك:   صرنا بحكم الواحد المنان  نملك أعناق ذوي الإيمان ومن عصانا كان في النيران  بين يدي فرعون أو هامان إن بني أحمد سادات الأمم  بذا لهم رب السماوات حكم من أنكر الفضل لأذنيه الصمم  من عنده الدر سواء والحمم نقول هذا إن شكا وإن عتب  لا يستوي الرأس لدينا والذنب       وزاد من انتقاصه، قائلًا: يا قوم ليس الدُّر قدرًا كالبعر  ولا النضاري لا يرزى كالحجر كلا ولا الجوهر قدرًا كالمدر فحاذروا من قولكم مس سقر        كان «ابن حمزة» شديد التعصب لمذهبه، مُكفرًا لما دونه من مذاهب، ويؤكد ذلك قوله: «إننا نهاب نُصوص الهادي كما نهاب نُصوص القرآن»، واتفق مع «الإثنى عشرية» في تكفير أهل السنة الذين يطلق عليهم «الجبرية، والمشبهة»، واتفق معهم أيضاً في ترك روايات الأحاديث النبوية بحجة أنَّ رواتها ليسوا من «العلويين»، وحين عاب العلامة الشافعي عبدالرحمن بن أبي القبائل المذهب «الزيدي» لضعفه في الأخذ بالأحاديث النبوية، رد عليه «ابن حمزة» في كتابه «المجموع المنصوري» بالقول: كم بيـن قولي عن أبي عـن جده  وأبي أبي فهـو النبي الهادي وفتى يقـول: حكى لنا أشياخُنا  ما ذلك الإسنـاد من إسنادي        والأسوأ من ذلك أنَّه كان جريئًا في استباحة دماء وأموال مُخالفيه، بدليل قوله: «وإن البغي بمعصية إمام الحق يحل سفك الدم، واستباحة المال، وهدم الديار على مذهبنا ومذهب آبائنا من أهل البيت عليهم السلام»، وما جرائمه في حق جماعة «المُطرّفية» ومن قبلهم «الإسماعلية» إلا مثال بشع لمنهجه الإجرامي ذاك، وعنها قال أحمد بن قاسم الشامي: ومن شيمة المنصور قتل رجالهم  وملك النساء للعالمين بلا مهر كما اجتثهم بالسيف من أرض صعدة  وفي الجوف والبونين قتلًا وفي نجر

تجسدت في عهده الخلافات «الزّيدِيّة - الزّيدِيّة» بصورة أعنف، وذلك بتمدد «المـُطرَّفية»، وهي جماعة تنسب إلى مُطرف بن شهاب، خالفوا السائد من عقائد الإعتزال، وعقائد «الزّيدِيّة»، وتخلوا عن شرط «البطنين»، والتفضيل بمجرد النسب، وسعوا لتجريد المذهب «الزيدي» من طبيعته السلالية، وكانوا حسب توصيف علي محمد زيد بعيدين عن أية شائبة عُنصرية مُبتذلة.        أنكروا على «المنصور» عبدالله بن حمزة مُخالفته لبعض نُصوص «الهادي» يحيى بن الحسين، واختياراته في الفروع، ليدخل معهم في نقاشات طويلة، قادته إلى تكفيرهم، رغم أنَّهم سبق وبايعوه، ووقفوا إلى جانبه أثناء محاربته «الأيوبيين»، وهي حقيقة أكدها كثير من المؤرخين، وأكدها ذات الإمام بقوله: «وأن الشيعة المُطرَّفية أول من أجاب دعوتنا، وأعطى بيعتنا، وشهد بالسر والجهر بإمامتنا».        تنكر «ابن حمزة» بعد ذلك لـ «المُطرَّفية»، وقال فيهم: «فإن كانوا صدقوا في الابتداء، فقد كذبوا في الانتهاء، وإن كذبوا أولًا؛ فما المانع أن يكونوا في الحالين كاذبين سواء»، وقال في عقيدتهم: مُطرَّفة عاصت مقال نبيها ولم تخش في العصيان لومة لائم فكم فيهم من جاهل متفيهق كريه المحيا كالكباع حراصم غدا يدعي أن النبي شبيهه  فأعظم بهذا من عظيمة زاعم        وتبعًا لذلك اتهمهم «كاتب سيرته» بالنفاق، وقال فيهم: «والشيعة المُطرَّفية مع كثرة عددهم، واتساع هجرهم، يثبطون عنه، ويتربصون به، فإن وقع نصر من الله، واستظهار الإمام عليه السلام، جاؤوا إليه يشهدون بالإمامة، ويطلبون الولاية، وإن انتزح عن البلاد، لم يقوموا لله بفرض يلزمهم من جهاد، ولا إقامة جمعة، ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر».       بعد هذا التضارب المـُسف، وجب التذكير أنَّ «المُطرَّفية» لم يتخلوا عن مُناصرة «ابن حمزة» إلا حين توقف عن محاربة «الأيوبيين»، قالوا عنه أنَّه طالب سُلطة، ثم تعاضدوا حول العلامة محمد بن المفضل «العفيف»، الذي كان حينها من أبرز المُتعاطفين معهم، ألزموا الأخير الحجة؛ فجدد دعوته احتسابًا.        وزادوا على ذلك بأن جاهروا بمعارضتهم لـ «ابن حمزة»، وهجاه أحدهم ويدعى الحسن النساخ بأرجوزة طويلة، شكك فيها بنسبه، وصلنا منها: فما اقتنى أحمد منها درهما ولا اجتبى إلا الذي منها حمى فيما روته إن حفظت العلما ويح الطغاة إن دعوك قيما في نسب مسترق مذبذب  ملفَّق مروق مضطرب يقول أصلي من علي والنبي  ما صححت هذا رواة النسبي       صارت مناطق «المُطرَّفية» مثل «سناع، ووقش، وقاعة في جبل عيال يزيد، وبلاد البستان - بني مطر» خاضعة لحكم مُحتسبهم، وهي بمجملها مناطق زراعية توفر فائضًا يسمح بالحصول على موارد، إلا أن وفاة «العفيف» مطلع العام «600هـ» حالت دون قيام «دولة المُطرَّفية»، أو بمعنى أصح تمددها.        بدأ «ابن حمزة» بعد ذلك يتربص بأصحاب «العفيف» شرًا، نهض إلى «مُدع - ثلا»، وخطب هناك خطبة في الناس، أفتى فيها بردة «المُطرَّفية»، وكفرهم، وكتب على جدران إحدى المساجد: ولقد حلفت وعادتي أني وفي لا يـدخلنك ما حييت مُطرَّفي فكتب أحد «المُطرَّفية» تحتها: أو مـا علمت بأنَّ كـل مُطرَّفي عما عمـرت من الكنـائس مُكتفي أنتم ومسجـدكم ومذهبكم معا كـذبالة في وسط مصباح طُفي        بعد أن اصطلح مع «الأيوبيين»، تفرغ «ابن حمزة» لجماعة «المُطرَّفية»، الذين تكاثروا تحت قيادة أبي الفتح العباسي، وصارت لهم صولات وجولات فكرية في معظم المناطق «الزّيدِيّة»، وعزم على التنكيل بهم، وحين بادروا بإرسال مجموعة من زعمائهم وعلمائهم للمناظرة، ونزع فتيل الخلاف قبل أن ينفجر، اعتذر عن ملاقاتهم؛ متحججًا بذهابه إلى الجوف، ثم ما لبث أن قال مُهددًا: لست ابـن حمزة إن تركت جماعة مُتجمعين بـقاعة للمنكر ولأتركنهم كمثل عجـائز يبكين حـول جنازة لم تقبر ولأروين البيـض من أعناقهم وسنابك الخيل الجيـاد الضمر        لم تمض أيام قلائل حتى نفذ «ابن حمزة» تهديده، أرسل إلى هجرة «قاعة» بجيش كبير بقيادة شقيقه يحيى، قام ذلك الجيش بمجزرة عظيمة في حق سكان تلك المنطقة «603هـ»، وإمعانًا في إذلالهم، ألزم ذات الأمير من استسلم منهم بوضع «الزنار» علامة لهم، تمامـًا كاليهود!!.         أجبرت تلك التصرفات من تبقى على قيد الحياة من «المـُطرَّفيية» على الهرب إلى «مسور، ووقش»، أو الالتجاء بـ «الأيوبيين»، وعن ذلك قال أحد شعرائهم: فأعجب لنا ملك الأكراد يكرمنا وبني النبي علينا أي جبار ونحن أنصاره الحامون حوزته فمن لأنصاره يومـًا بأنصار وقال نحن ذو كفر وقد علمت هذي البرية أنَّا غير كفار        كتب «ابن حمزة» حينها رسالة إلى «ورد سار» - أحد القادة «الأيوبيين» - مُعاتبًا، وعارضًا عليه أن يتحالفا معًا للتنكيل بـ «المُطرَّفية»، جاء فيها: «وأما الذي يوحشنا فتسليمك للمُطرَّفية المرتدة الغوية، مع قدرتك عليهم، وما تركتهم إلا لأنهم يبغضونا، وهي بغضاء لا تضرنا، والقوم كفار في دار الإسلام، ولقد كتموا مذهبهم، ولقوا دونه الأيمان، والله يشهد أنهم لكاذبون، فإن رأيت قطع دابرهم، فأنا شريكك في دمائهم، ألقى الله بذلك».         اعترض حينها مجموعة من علماء «الزّيدِيّة» على «ابن حمزة»، لقيامه بجريمته تلك، فما كان منه إلا أن كفرهم بالإلزام، وكفر كل من أحب «المُطرَّفية»، أو قلدهم، أو أحسن الظن بهم، أو شكك في كفرهم، وشمل تكفيره جميع من لا يدينون بمذهبه، وقال مقولته الصادمة: «فقد صح لنا كفر أكثر هذه الأمة».        كان من جُملة المُعترضين على «ابن حمزة»، وممن نالته تهمة التكفير العلامة «الهادوي» يحيى بن منصور بن المفضل، وأخاه يحيى المعروف بـ «المشرقي»، - إبني أخ «العفيف» السابق ذكره - تضامن الأول مع «المُطرَّفية»، وقيل أنَّه أعلن نفسه إمامًا «603هـ»، أما الأخير فقد كان شديد التعصب لمذهبهم، صير نفسه نصيرًا لهم، وأعلن - هو الآخر - بعد ستة أعوام نفسه إمامًا.        جدد «ابن حمزة» حينها العزم على ملاحقة «المُطرَّفية» إلى عقر ديارهم «609هـ»، وإبادتهم عن بكرة أبيهم، خاض «المشرقي» غمار مواجهته، مَسنُودًا بسكان المناطق الواقعة شمال غرب صنعاء، والتي كان غالبيتهم من تلك الجماعة، توجه الأمير يحيى بن حمزة إليهم بجيش كبير، التقى الجمعان، وكانت الدائرة على «المشرقي»، هرب إلى جبل مسور، لتسقط المناطق الخاضعة لحكمة الواحدة تلو الأخرى.        حكم «ابن حمزة» على تلك المناطق بأنها دار حرب، «تقتل مقاتليهم، وتسبى ذراريهم، ويقتلون بالغيلة والمجاهرة، ولا تقبل توبة أحد منهم»، وأفتى: «وهم بشهادتنا وشهادة من تقدمنا من آبائنا الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، من أخبث الكفرة اعتقادًا، وأظهرهم لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم عنادًا، وقد أطلقنا لكافة المسلمين قتلهم، وأخذ أموالهم، وسلبهم فيء، وذممهم حلٌ طلق لكافة المسلمين، وقتل من اعتقد اعتقادهم، أو حسَّن الظن بهم، أو داهنهم، وأمنهم، وخالطهم».        وبموجب تلك الفتوى قام «ابن حمزة» وعلى مدى عامين بملاحقة «المُطرَّفية»، وأرتكب جرائمه المروعة في حقهم، قتل أكثر من «100,000» من رجالهم، - وقيل أقل من ذلك - وسبى نساءهم، واستعبد أطفالهم، وهدم دورهم، ومساجدهم، وأخرب مزارعهم، وصادر أملاكهم.         وجاء في إحدى رسائله ما يؤكد ذلك، حيث قال: «وهذه المُطرَّفية قد قتلنا من قدرنا عليه منهم، وأوهن الله كيدهم، وجددنا العزم في المستقبل على تحريق من وجدنا من علمائهم، وإلى الآن لم نظفر بأحد، ونرجو من الله الظفر»، وأضاف: «وإنما فعلناه تقربًا إلى الله عزَّوجل، لإظهارهم صريح الكفر في بحبوحة الإسلام»، وأقسم على أنَّ «جهادهم، وسفك دمائهم أقرب إلى الله سبحانه من جهاد الكفار في ثغور الإسلام».        وزاد على ذلك شعرًا: فحل لي قتلُ من أدلى بحجتهم ممن غدا بالغًا للحلم من ذكرِ يا من تحير في شكٍ لقتلهم اذكر، وكن ذا حفاظٍ قصة النهرِ        في تلك الأثناء، توجه الحسن النساخ إلى بغداد، وطلب من خليفتها «الناصر» أحمد النصرة، والقضاء على «ابن حمزة»، وتحدث عن محنة «المُطرَّفية» قائلًا: «أذكى وقودها قائم من بني الحسن، تمالى مع أهل اليمن على نصرته، وسارعوا إلى جمعته وجماعته، وعقدوا له الألوية والبنود، وأطاعوا أمره كطاعة الملك المعبود، وحشدوا له الرعية والجنود، ولقد قدر علينا واستظهر..».         أرسل الخليفة «العباسي» إلى «الأيوبيين» في مصر «611هـ»، حثهم على نصرة «المُطرَّفية»، وإخماد إمامة «ابن حمزة»، وذلك بالتزامن مع سيطرة الأخير على أغلب مناطق «اليمن الأعلى»، بعد أن استغل مقتل الملك «الناصر» أيوب بن طغتكين مطلع ذلك العام.        توجه الملك الشاب «المسعود» يوسف بن «الكامل» محمد بحملة كبرى إلى اليمن، ليبدأ حكمه بدخول مدينة تعز «10 صفر 612هـ»، وما إن علم «ابن حمزة» بتوجه الجيش «الأيوبي» نحوه، حتى سارع بالانسحاب من ذمار، ثم من صنعاء، بعد أن خرب دور الأخيرة، وهدم أسوارها، وسبى نساءها.        السبي أسلوب شنيع انتهجه «ابن حمزة» في معظم حروبه، وألف فيه كتابًا أسماه: «الدرة اليتيمة في تبيين أحكام السبي والغنيمة»، وروي عنه قوله: «أما السباء فنحن الآمرون به»، واثناء تنكيله بـ «المُطرَّفية» سبى الكثير من نسائهم، وقال فيهن: «إننا لا نستحل فروجهن إلا لأننا نعلم أنهن مغلوبات على أمرهن، ولأنهن قد يخالفن أولياء أمورهن إذا ما تبدت لهن الحقيقة».        ومع هروبه الأخير من صنعاء سبى عددًا كَبيرًا من النساء، من العرب ومن العجم، وذكر بعض المؤرخين أنَّ شقيقه يحيى سبى مجموعة من نساء تهامة في إحدى معاركه، وسبى حوالي «600» امرأة من صنعاء، بعضهن «أيوبيات»، وقسمهن في قاع «طيسان» بين رجاله، اختار «ابن حمزة» واحدة منهن لنفسه، وهي «أيوبية» من «آل قنطور»، وأنجب منها ولدًا أسماه سليمان، وخاطبه قائلًا: سليمان بيتاك من هاشم ومن آل قنطور بيتا شرف         قام عدد من علماء «الزّيدِيّة» بانتقاد «ابن حمزة» لتصرفه ذاك، أما أنصاره ممن شاركوه جرائمه المُروعة فلم ينتقدوه إلا حينما امتدت أياديه لسبي حفيدات الإمام «الهادي» يحيى بن الحسين، من نساء «آل المفضل»، وقد علق على ذلك قائلًا: «قالوا: تسبي بنات الهادي؟ قلنا: نعم، نسبيهن لكفر أهلهن».

توفي «ابن حمزة» بمدينة كوكبان «12 محرم 614هـ»، عن «52» عامًا، بعد أن نقض صلحه مع الملك «المسعود»، فخلفه ولده الشاب عز الدين محمد، والذي كان حينها في جبل «كنن - خولان العالية» يقود إحدى معاركه الخاسرة مع «الأيوبيين»، اختبره بعض فقهاء مذهبه في علمه، فوجدوه ضعيفًا ناقصًا عن رتبة الإمامة، فلم يخطبوا له، إلا أنّه أعلن نفسه مُحتسبًا، وتلقب بــ «الناصر».