تزايدت المخاوف حول حياة الرئيس هادي بعد نجاته من القصف الذي تعرض له مقره في عدن، وكانت المعلومات تتوالى عن تحرك مزيد من القوات والعتاد في اتجاه المدينة. وفي 25 مارس (آذار) 2015، تمكن مسلحو الحوثيين من اقتحام قاعدة العند العسكرية، الواقعة في محافظة لحج على الطريق الذي يربط تعز بعدن، وهي القاعدة الأكبر في اليمن، وتم خلال تلك العملية اعتقال القائدين العسكريين اللواء محمود الصبيحي، وزير الدفاع والعميد فيصل رجب اللّذين كانا متوجهين اليها، ونُقلا إلى صنعاء.
مع سقوط العند، أصبحت الميليشيات (كان الحوثيون يطلقون عليها اللجان الشعبية) على بعد 60 كيلومتراً من عدن ولم يكن هناك أي قوة تستطيع إيقاف وصولهم إلى المدينة. وبحسب ما حدثني عدد من الذين كانوا بجوار الرئيس أنه رفض كل محاولات خروجه من "معاشيق" قبل وصول الحوثيين وأصرّ على البقاء مهما كلّف الأمر وقال لهم إنه سيقاوم، لكن إلحاح أفراد أسرته الذين كانوا معه أقنعه في اللحظات الأخيرة، وانطلق موكبه الصغير الذي رافقه فيه اللواء علي الأحمدي، رئيس جهاز الأمن القومي ونجله الأكبر جلال باتجاه شبوة.
قبل يومين من اقتحام الحوثيين لقاعدة العند، وجّهت الرياض دعوة عاجلة إلى أحمد علي عبدالله صالح، النجل الأكبر للرئيس الراحل علي عبدالله صالح والقائد السابق للحرس الجمهوري، وذلك للقاء الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي حينها، وحملته طائرة خاصة من أبو ظبي التي كان يقيم فيها بعدما عزله الرئيس هادي من منصبة كسفير لدى الإمارات وأدرج اسمه على قوائم العقوبات بقرار من مجلس الأمن. لم يتسرب الكثير عن تفاصيل اللقاء سوى أن المملكة العربية السعودية كانت مقتنعة بضرورة تعاون الرئيس الراحل في وقف وصول مسلحي الحوثيين إلى عدن، وقيل إن أحمد علي أبلغهم أن الأمر لم يعد ممكناً لأن ألوية الحرس الجمهوري تمت هيكلتها وتوزعت على مناطق عسكرية متباعدة، والعتاد الثقيل الذي كان بحوزتها سحبته الميليشيات الحوثية إلى أماكن تحت سيطرتها. هكذا انتهى اللقاء من دون نتيجة.
كانت التعزيزات العسكرية في الطريق إلى عدن براً وجواً لمساندة القوات الخاصة الموجودة هناك التي أعلنت قياداتها رفضها لقرارات سابقة أصدرها الرئيس هادي. ومع اقتراب الحوثيين من المدينة بعدما سيطروا علـى الطرق المؤدية إليها، أعلنت وسائل الإعلام عن رسالة بعث بها هادي إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز يطلب فيها التدخل العسكري من أجل "حماية اليمن وشعبه من العدوان الحوثي المستمر وردع الهجوم المتوقع علـى مدينة عدن وبقية مناطق الجنوب ومساعدة البلاد في مواجهة القاعدة وداعش". وأضاف في رسالته إلى العاهل السعودي أن الحوثيين "مدعومون من قوى إقليمية هدفها بسط هيمنتها علـى هذه البلاد وجعلها قاعدة لنفوذها في المنطقة".
مرت ساعات قليلة على هروب هادي، وانقطعت الأخبار عن وجهته وموقعه. وفجأة في فجر يوم 26 مارس 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية انطلاق ما سُمي بـ"عاصفة الحزم" بقيادة "التحالف العربي لدعم الشرعية". وبدأت الحملة الجوية بقصف كل المواقع العسكرية في كل أنحاء اليمن وأعلن عادل الجبير، السفير السعودي لدى الولايات المتحدة آنذاك أن الهدف هو "تدمير الأسلحة التي قد تشكّل خطراً علـى المملكة سواء كانت أسلحة جوية أو صواريخ باليستية أو أسلحة ثقيلة".
بقيت أخبار هادي غامضة حتى كُشف عن وصوله مساء 26 مارس إلى الرياض، حيث كان في استقباله الأمير محمد بن سلمان، بعد توقف في صلالة التي وصلها صباح اليوم ذاته، وبحسب تصريحه إلى صحيفة "الرياض" في 26 مارس 2017، فإن البريطانيين هم الذين أبلغوا السلطات العُمانية بأن موكبه في الطريق إلى الحدود اليمنية – العُمانية، وأنه لم يسمع بانطلاق الحملة الجوية إلاّ بعد وصوله إلى مسقط لأنه – كما قال – أغلق هواتفه النقالة بعدما شكّ في أن الحوثيين يتابعون تحركاته.
بعد وصول هادي إلـى الرياض، توجه مع الملك سلمان يوم السبت 28 مارس للمشاركة في القمة العربية وكان لافتاً حضور الدكتور عبدالكريم الارياني ضمن الوفد المرافق بعدما كان أعلن اعتزال السياسة قبل أسابيع إثر شعوره باليأس من نتيجة الممارسات التي كانت تجري على الأرض في الداخل. قبل ذلك بأيام، اتصلتُ به للاطمئنان على صحته، فـأخبرني أنه مدعو للمشاركة في ندوة في أحد مراكز البحث الأميركية. وفي صباح 28 مارس، تواصلتُ معه لأتعرف علـى وجهة نظره في ما حدث، فقال إنه يستعد للسفر إلـى شرم الشيخ للّحاق بالرئيس الذي ألحّ عليه بالحضور. وكان الأمر مفاجئاً لكثيرين، لكنه برّره بأنه يفعل ذلك لإيمانه بـأهمية الحفاظ على الشرعية الدستورية "حتى إن كانت عصا مكسورة".
مرة أخرى عاد الرئيس هادي إلى الرياض التي وفد إليها كل مـسؤولي الحكومة الذين تمكنوا من الفرار أو كانوا خارج اليمن حين كان الحوثيون يتمدّدون بميليشياتهم في أرجاء البلاد، وصارت العاصمة السعودية، عاصمة سياسية وأصبح القرار اليمني مشتركاً مع دول التحالف العربي.