الجمعة ، ٠١ نوفمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٨ صباحاً

ما أحوجنا لأخلاق شفيق..

د . محمد حسين النظاري
الأحد ، ٠١ يوليو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٥٠ صباحاً
الفوز كان وارداً لأحد المتنافسين على انتخابات الرئاسة المصرية، وكان منتظراً ان يتم اعلان أحدهما فائزاً في منافسات الجولة الثانية.. ولكن ما لم يكن في الحسبان هي ردة الفعل ليست للطرف الفائز، فكلاهما ومن خلفهما انصارهما عبرا سريعاً عن الفوز بطريقة استباقية، ربما من اجل التأثير ليس على لجنة الانتخابات ولكن على الفئة الناخبة والى جانبها الفئة الصامتة.. بمعنى ان من يحتفل بالفوز قبل اعلان النتيجة يهيئ انصاره بالمقابل للانتقاص من ذلك الفوز اذا ما اعلنت اللجنة خلاف ذلك.

ومن هنا كان تركيزي أكثر على الطرف الذي لم يحالفه التوفيق -بالرغم ان النسبة ضئيلة جداً- فقد توقعت ان يرفض الطرف الخاسر النتيجة جملة وتفصيلاً، وبنيت ذلك على التعبئة التي شُحن بها الجماهير الموالية له، بالإضافة الى حجم النقد الموجه من المرشَحَين –كل منهما للطرف الآخر- ولهذا انتظرت ومعي فئة كبيرة - بكل تأكيد- الى أن تكون ردة فعل أحمد شفيق –بصفته الخاسر- رافضة للنتيجة، مع حملة للتشكيك بها، وتسفيه منافسه واتهامه بعدم احقيته بالفوز.

ولكن شفيق خالف كل التوقعات وبادر الى تهنئة منافسه الدكتور محمد مرسي -الفائز بالرئاسة- متمنياً له التوفيق في مهامه وداعياً اياه إلى طي صفحة الماضي خاصة ما حدث اثناء فترة الانتخابات كونها كانت جولة للتنافس.. لقد اثبت شفيق بذلك ان مصر فازت عبر هذه الانتخابات مرتين مرة بتتويج مرسي كأول رئيس مدني، وثانياً لأنها كسبت ايضاً منافساً شريفاً يُقدّر ويعترف بمنافسيه. ان هذه الجزئية بالذات هي ما نفتقر اليها في وطننا العربي، ربما تبدوا اعتيادية في الغرب كونهم تمرسوا على الانتخابات، اما نحن العرب فإما الفوز او الاسراع بالتشكيك، إما ان ينصفنا الصندوق، او نرمي برأيه في اول مزبلة اذا لم تكن نتيجته في صالحنا.

الكل سيتحدث عن فوز مرسي التاريخي كأول رئيس عربي يأتي من الاحزاب - ذات التوجه الاسلامي - وهي بحد ذاتها تجربة فريدة، تجعلنا نستطيع المقارنة بين رؤساء هذا التوجه ومن سبقوه من التوجهات السياسية الأخرى.. ولكنني كما قلت سأقف عند الاخلاقيات التي زرعها موقف شفيق من اعلان النتيجة.. فقلة الفارق كانت كفيلة باعتراضه وتهييج الطرف المناصر له، ولو من خلال الاعتراض اللفظي، او حتى الامتناع عن التصريح.. وكان ذلك السلوك كفيلاً بإشعال مصر وإفساد الفرحة، فأكثر من 12 مليون ناخب –عدد المصوتين لشفيق- كانوا على استعداد لتبادل الادوار مع المقيمين في ميدان التحرير، وربما يصل لحد الاشتباك.

ان موقف شفيق بدا مغايراً لموقف الطرف الفائز وأنصاره قبل اعلان النتيجة النهائية حين اعلنوا عن عدم نزاهة الانتخابات في حال اعلنت شفيق فائزاً بالرئاسة.. وهنا الفارق، فهم وقبل الاعلان النهائي استبعدوا الخسارة واعدوا لها عدتها.. فيما شفيق بعد اعلان خسارته، رد على الجميع بلغة السياسي البالغ –غير المراهق- وأوضح عن صفات الرجل الذي تحتاجه مصر بحق، وان لم يكن في دار الرئاسة ففي مواقع مهمة.

لست متعاطفاً مع اي طرف.. ولكني سعيد بالانتخابات المصرية التي يفترض انها انهت جدلاً واسعاً، ويفترض انها فتحت للناس آفاقاً رحبة من التعايش في ظل رئيس مدني -دكتور واكاديمي في الجامعة- بمعنى انه وصل من العلم بما يمكنه من قيادة البلد الاكبر عربياً، شريطة ان يعي ان الذين انتخبوه لا يمثلون إلا قريباً من نصف المقترعين، بمعنى ان 13 مليون هي الفئة التي انتخبته من 50 مليون ناخب يحق لهم التصويت، اي ان العدد الاكبر لم ينتخبوه، وفيهم نسبة مقاربة جداً مع الطرف المنافس له، وهنا تكمن مدى قدرته على استيعاب الجميع، فهو الان رئيس لكل المصريين وليس لأنصاره فقط، وإلا وجد نفسه بين معارضة قد تفعل نفس ما فعل المناصرون له على مدى عام كامل.

نتمنى ان ينطلق الدكتور محمد مرسي من النقطة التي انتهى اليها خصمه، والمتمثلة في الاعتراف بالآخر، وبحق وجوده، وعدم إنكاره. فالدكتور محمد مرسي لا يمثل المصريين فحسب بل يمثل كل البسطاء في العالم العربي الذين يريدون ان تعود مصر كبيرة كما كانت.. يريدون مصر جديدة تفتح قلبها قبل حدودها لإخوتنا الفلسطينيين، يريدون رئيساً ينقل للغرب قيم التوجه –الإسلامي- الذي ينتهجه.

فكم نحتاج الى نوصل للغرب سماحة ديننا وتمسك قياداتنا بالسلوك الاسلامي وأداء الشعائر الدينية بما فيها الصلوات الخمس مع المسلمين، ما احوجنا ايضا الى ننقل للغرب انه لا فرق بين اسلام سياسي وإسلام غير سياسي، بل بين مسلم يؤدي فرائضه على النحو الذي امره به المولى جل تعالى، وبين آخر يتهاون بها.

إن اراد الرئيس المصري محمد مرسي ان يكون غيره امتدادا له في الدول الأخرى، بحيث يتشجع الناخبون في بقية الدول على انتخاب اصحاب نفس التوجه، فما عليه إلا أن يكون قدوة في التعامل، وأن ينظر للجميع من منظور واحد، والمتمثل في كونه ولي الامر الذي يستوجب عليهم طاعته، وأنهم رعيته المأمور بالعدل فيهم، وإعانة المظلوم وان كان لا يتفق معه في المذهب السياسي، والأخذ من الظالم ولو كان من نفس تياره.. حينها فقط سيجبر الاخرين على انتخاب أمثاله، اما اذا كان السلوك عكس ذلك فلن يكتب لهذه التجربة الامتداد للدول الاخرى.

نبارك لإخوتنا في مصر العروبة نجاحهم، ونقول لهم انتبهوا فأنتم لم تقطعوا إلا الجزء اليسير من السير في الطريق الصحيح.. ولكي تكملوا المشوار فعليكم ان تضعوا ايديكم بأيدي الجميع بدلاُ من اقصاء او الغاء المنافس، وان حاسبتم الاخر فبموجب القانون –بحسب ما ارتكبه من جرم-، لا من منطلق المنتصر، وكونوا قدوة للشعوب التي تنتظر ما ستسفر عنه ايامكم القادمة، والتي نسأل الله ان تكون كلها خير.