2017/06/21
أكبر عجز موازنة في العالم.. لماذا خصص السيسي 75 مليار جنيه للفقراء في اللحظة الأخيرة؟ وكيف يمولها؟
3 أشهر قطعتها الموازنة العامة المصرية الجديدة متجولةً بين مبنى وزارة المالية في حي مدينة نصر، ثم إلى شارع حسين حجازي وسط البلد حيث مجلس الوزراء، إلى أن عبرت شارع مجلس الشعب لتستقر في محطتها قبل الأخيرة تمهيداً لإقرارها.

ولكن بعد أن كانت هذه الموازنة تسير في اتجاه معين، فإن قرارات أُعلنت بشكل مفاجئ من قِبل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، غيرت هذا التوجه تماماً؛ إذ إن هذه القرارات التي أصدرها الرئيس بهدف دعم الفقراء وتقليل الأعباء عليهم أضافت بين عشية وضحاها عبئاً مالياً جديداً على الموازنة، المثقلة أصلاً بعجز هائل.

وذكر عمرو الجارحى وزير المالية، أن إجمالى تكلفة قرارات الحماية الاجتماعية السبعة التى أصدرها رئيس الجمهورية الثلاثاء 20 يونيو/حزيران، تبلغ 75 مليار جنيه (الدولار يساوي ما يقرب من 18 جنيهاً)، مؤكداً أن العلاوات بأنواعها تصل إلى 14 مليار جنيه، وتكلفة المعاشات 25 مليار جنيه، و32 ملياراً تكلفة زيادة الدعم النقدي للفرد على بطاقات التموين، ونحو 4 مليارات جنيه لزيادة قيمة الدعم النقدي لمستحقى برنامجى “تكافل” و”كرامة”.

أكبر عجز في العالم

هذه الزيادة المفاجئة دفعت هاني توفيق، وهو أحد الخبراء الاقتصاديين المحسوبين على أنهم من المؤيدين للرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى التعليق بمنشور على صفحته فيسبوك عنوانه “الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة”.

وقال توفيق في المنشور: “أسعدني بالفعل ما قام به الرئيس أمس من منح مزايا ودعم نقدي إضافي لمحدودي (أو معدومي) الدخل يكلف الدولة عشرات المليارات الإضافية. هم فعلاً في حاجة إلى ذلك الدعم وأكثر، ولكن يتبادر إلى ذهني -كاقتصادى مهموم- فوراً القضايا التالية:

هل تم الرجوع لوزارة المالية أو التخطيط لتبيُّن وجود مخصص بالموازنة العامة -العاجزة أصلاً- لمثل هذه المنح “وليدة اللحظة”؟

هل تم الرجوع للبرلمان، أو لجنة الخطة والموازنة حسب الحالة؛ للحصول على الموافقة على هذا التجاوز في الموازنة طبقاً للدستور والقانون؟

هل سيتم تمويل هذه المنح والمزايا الإضافية من موارد حقيقية (ضرائب، مبيعات أراضٍ... إلخ)، أم بالاقتراض وبطباعة مزيد من النقود، والتي ستؤدي بدورها إلى تضخم جديد، أول من سيتأثر به هم الفقراء أنفسهم!”.

وأردف توفيق قائلاً: “عجز الموازنة وتضخم الدين العام هما مشكلة مصر الأولى والأخطر على الإطلاق، حيث إنها الاضخم على مستوى العالم من حيث نسبتها للناتج المحلي الإجمالي؛ ولذلك وجب التحذير بصورة شبه أسبوعية”.

وفِي منشور سابق، انتقد توفيق محاولات الحكومة تجميل الموازنة من خلال إعفاء العجز، قائلاً: “حكومة لا تكذب، ولكنها تتجمل: حولت الحكومة عجز الموازنة بجرة قلم إلى فائض، باستبعاد فوائد الدين العام، والبالغة أكثر من 400 مليار جنيه، من حساباتها... اختراع مصرى أصيل لتجميل الموازنة!”

هل صندوق النقد هو السبب؟

ومنذ الإعلان الأول عن ملامح الموازنة وحتى بعد إعلان البيان المالي والتحليلي لها والجدل لا يتوقف عليها، حيث وصفها البعض بأنها غير دستورية وتحمل ملامح برنامج صندوق النقد الدولي الذي وقّعته معه الحكومة المصرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

البيان المالي

البيان التحليلي

من خلال عدة أسئلة، نحاول أن نشرح أبرز ما تحمله الموازنة الجديدة لمصر وفقاً لبيانات الحكومة المصرية وما أبرز الانتقادات التي وُجهت لها.

ماذا تعني كلمة الموازنة العامة؟

الموازنة، هي الخطة المالية للدولة خلال عام مالي، تحتوي هذه الخطة على تقديرات تفصيلية للإيرادات والنفقات العامة للدولة المتوقعة خلال العام الذي يبدأ من أول يوليو/تموز من كل العام وينتهي في 30 يونيو/حزيران من العام التالي له.

ويجري إعداد الموازنة في وزارة المالية أولاً ثم تُناقش في مجلس الوزراء، وحال الموافقة عليها تُرسل للبرلمان؛ لمناقشتها في اللجان الفرعية المختصة حتى تحال إلى الجلسة العامة تمهيداً لإقرارها بشكل نهائي.

كم يبلغ حجم الموازنة الجديدة؟

1488 مليار جنيه، هو حجم الموازنة العامة الجديدة، وهذا الرقم يعني إجمالي الاستخدامات العامة للدولة.
يبلغ حجم بند المصروفات 1206 مليارات جنيه، موزعة على الأجور ومستلزمات سلعية وخدمية وفوائد محلية وخارجية للديون والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، بينما تقدر الحكومة حجم الإيرادات العامة للدولة بنحو 834.6 مليار جنيه.

أي إن عجز الموازنة -وهو الفارق بين الإيرادات والمصروفات- نحو 370 مليار جنيه.

والفارق بين إجمالي الموازنة، 1488 مليار جنيه، وبند المصروفات، وهو 1206 مليار جنيه، يصل إلى نحو 282 مليار جنيه. هذا الفارق بين الرقمين هو ما ستنفقه الدولة على مساعدات لجهات حكومية متعثرة مالياً، وعلى أقساط القروض المحلية والخارجية، من دون حساب فوائد هذه الديون، فالفوائد هي أحد بنود المصروفات.

أي إن هناك فعلياً نوعين من المصروفات في الموازنة: الرقم الأول الكبير هو الاستخدامات العامة للدولة بقيمة 1488 مليار جنيه، والثاني البند الذي يسمى رسمياً المصروفات وهو الأصغر، وهذا الرقم هو الذي سيحدد منه قيمة العجز 1206 مليارات جنيه، وليس من الرقم الكبير.

من أين ستمولها الحكومة؟

“الضرائب المختلفة ستكون هي الممول الرئيس لموازنة الدولة، وذلك من حيث يفترض أن توفر الضرائب نحو 70% من إيرادات الدولة المتوقعة في الموازنة بقيمة 603.9 مليار جنيه، وفقاً للبيان المالي والتحليلي للموازنة العامة.

وتتوزع هذه الضرائب ما بين ضرائب عامة والضريبة على القيمة المضافة والجمارك وغيرها.

وتستكمل الدولة بقية إيراداتها من المنح وأرباح الشركات والهيئات التابعة لها.

ماذا تعني موازنة 2017-2018 لمصر؟

هذه الموازنة هي “ترجمة فعلية لبرنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي الشامل”، هذا ما تخبرنا به وزارة المالية المصرية عن الموازنة الجديدة، في بيانها المالي المنشور على موقع الوزارة.

فهذه الموازنة هي الأولى بعد إقرار اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار مقابل إجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية المتعلقة بالدعم وسعر الصرف ومناخ الاستثمار والسياسة النقدية للدولة.

كما أنها الميزانية الأولى التي تُوضع بعد قرار تعويم الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وما تبعه من رفع أسعار الفائدة، وارتفاع مستوى التضخم بنسبة كبيرة خلال الأشهر الماضية.

مستوى التضخم خلال عام

ما هي أهم مميزات الموازنة العامة وفقاً لما تراه الحكومة المصرية؟

تقول الحكومة إن الموازنة الجديدة تستهدف تحقيق عدة مميزات خلال العام المالي الجديد وهي:

تحقيق فائض أولي لأول مرة منذ سنوات طويلة يصل إلى 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي بعد استبعاد فوائد الديون.

تحقيق معدل نمو لا يقل عن نسبة 4.6% وخفض مستويات البطالة لنسبة تتراوح ما بين 11 إلى 12%.

تستهدف عجزاً كلياً يبلغ نحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنةً بعجز متوقع في حدود 10.5 إلى 10.8% في الموازنة الحالية، ولكن هل يمكن تحقيق هذا بعد قرارات الرئيس السيسي التي ستكلف الموازنة 75 مليار جنيه إضافية، حسب وزير المالية.

رفع مخصصات معاشات الضمان الاجتماعي لتصل إلى 15.4 مليار جنيه بدلاً من 10 مليارات جنيه في الموازنة الجارية، وهو ما يسمح بإضافة مستحقين جدد.

رفع حصيلة الضرائب لتصل إلى 603.9 مليارات جنيه بدلاً من 433.3 مليار جنيه خلال الموازنة الحالية.

زيادة مخصصات الأجور لتبلغ 240 مليار جنيه بنسبة قدرها 4.9% مقارنة بمخصصات العام المالي الحالي. ولكن في مواجهة مستويات التضخم المرتفعة خلال الشهور الماضية، تضمنت قرارات السيسي الأخيرة زيادات استثنائية للموظفين ولكن هل هي تكفي؟

بالإضافة إلى مميزات أخرى تشرحها الحكومة عبر هذا المنشور

أو هذا الفيديو

كيف سيشعر المواطن بأثر الموازنة عليه؟

سيشعر المواطن بأثر الموازنة العامة عليه مع أول فاتورة للكهرباء يتلقاها في شهر يوليو/تموز 2017، حيث ترصد الحكومة 30 مليار جنيه دعماً للكهرباء في الموازنة الجديدة مقابل 35 مليار جنيه متوقعة للعام المالي الحالي؛ وهو ما يعني ارتفاع أسعار الكهرباء.

كل السلع والخدمات الخاضعة لضريبة القيمة المضافة سترتفع بنسبة 1% مع بدء تطبيق الموازنة الجديدة نتيجة زيادة السعر العام للضريبة لتصل إلى 14% بدلاً من 13%.

ستشهد الموازنة الجديدة ترشيد دعم الطاقة، كما تقول الحكومة في بيانها المالي للموازنة، وهو ما سيعني رفع أسعار الوقود على المواطنين، لكن موعد تطبيق هذه الزيادة غير محدد بعد.

ستزيد الرسوم والدمغات التي يدفعها المواطن على بعض الخدمات؛ مثل تراخيص السيارات والإجراءات القنصلية وتذاكر وجوازات السفر والدمغات على اشتراكات المياه والكهرباء والغاز والتليفون.

أما الزيادات في الدعم والأجور ورواتب التقاعد (المعاشات)، وفقاً لقرار الرئيس المصري الأخيرة، فهي كالتالي:

1- زيادة الدعم النقدي للفرد على بطاقات التموين من 21 جنيهًاً إلى 50 جنيهاً شهرياً، بنسبة زيادة 140%‏.

2- زيادة المعاشات التأمينية بنسبة 15%‏، بحد أدنى قدره 150 جنيهاً لـ10 ملايين مواطن من أرباب المعاشات، وزيادة قيمة الدعم النقدي لمستحقي برنامجي “تكافل” و”كرامة” بقيمة 100 جنيه شهرياً لمليون و750 ألف مستفيد، بقيمة تقترب من 8.25 مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة

3- إقرار علاوة دورية (زيادة دورية) للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية بقيمة 7%‏ وبحد أدنى 65 جنيهاً.

4 - إقرار علاوة غلاء استثنائية 7% بحد أدنى 130 جنيهاً.

5- إقرار علاوة دورية لغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية قدرها 10%‏ بحد أدنى 65 جنيهاً، وعلاوة غلاء استثنائية قدرها 10% بحد أدنى 130 جنيهاً. 

6 - زيادة حد الإعفاء وإقرار نسبة خصم ضريبي للفئات من محدودي الدخل، بقيمة إجمالية تبلغ من 7 إلى 8 مليارات جنيه. 

7 - وقف العمل بضريبة الأطيان على الأراضى الزراعية لمدة 3 سنوات؛ لتخفيف الأعباء الضريبية على القطاع الزراعي.

هل الموازنة الجديدة تخالف الدستور؟

يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن الموازنة الجديدة بها عوار دستوري لا يُغتفر، من بينهم المحلل الاقتصادي والكاتب الصحفي أحمد السيد النجار.

وأبرز هذه الأخطاء هي

1. يُلزم الدستور الحكومة إنفاق 3% من الناتج القومي الإجمالي على قطاع الصحة، لكن الحكومة لجأت إلى إضافة مخصصات خدمات مياه الشرب والصرف الصحي وإدراج حصة من فوائد الديون ضمن مخصصات الصحة لتصل 105.2 مليار جنيه وتبلغ النسبة المطلوبة.

2. يحدد الدستور إنفاق 6% من الناتج القومي الإجمالي على التعليم الجامعي وقبل الجامعي، لكن الحكومة كررت نفس ما فعلته مع مخصصات الصحة، حيث أضافت حصة من فوائد الدين العام لمخصصات التعليم.

ويدافع تقرير صادر من لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، نشرته وسائل إعلام مصرية، عن الحكومة بخصوص هذا الشأن، قائلاً إن الحكومة التزمت بكل الاستحقاقات الدستورية لقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي.

وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه النائب رمضان سرحان، قائلاً إن موازنة قطاع الصحة للسنة المالية الجديد 2018/2017 لم تحقق النسبة الدستورية، وكذلك التعليم لم تتحقق في الموازنة النسبة المقررة في الدستور من الناتج القومي.

وأضاف سرحان، خلال الجلسة العامة لمجلس النواب الأربعاء 21 يونيو/حزيران الجاري، أن النظام الضريبي غير عادل، يتحمل الضرائب الفقراء ولا يتحمل الأغنياء، كما أن معدل النمو وفقاً لخطة التنمية المستدامة 4.6 نسبة غير واقعية وتفاؤلية جداً، في ظل تراجع السياحة والأزمة الاقتصادية.

إشكال آخر تتضمنه الموازنة الجديدة وإن كان لا يتعلق بالدستور؛ وهو ارتفاع فوائد الدين المطلوب سدادها على القروض المحلية بنسبة 30.2% مقارنة بالعام المالي الحالي.

وتُقدر فوائد الدين في الموازنة الجديدة بـ380.9 مليار جنيه بنسبة 31.6% من إجمالي المصروفات من الموازنة.

وهذه القيمة لفوائد الديون ترتفع عن قيمة كل الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية التي تقدمها الحكومة في الموازنة الجديدة والتي ستبلغ 332.7 مليار جنيه.
تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن برس https://yemen-press.net - رابط الخبر: https://yemen-press.net/news98357.html