2016/08/11
في صنعاء: ينادونها داعشية لأنها من تعز!

لا تخفي رانيا عبد العزيز انزعاجها من استفزاز بعض صديقاتها في صنعاء لها، بنعتها على سبيل المزاح بـ “الداعشية”، لكونها تنحدر من مدينة تعز جنوبي غرب البلاد، حيث تطلق وسائل إعلام الحوثيين صفة “الدواعش” على خصوم الجماعة من المقاتلين المحليين هناك.

تقول رانيا، 35 عاما، إنّها اعتادت على سماع عبارة “أهلا بالداعشية” كلما زارت منازل صديقات لها ينتمين الى جماعة الحوثيين الشيعية التي اجتاحت العاصمة اليمنية صنعاء ومعظم محافظات البلاد عام 2014، ما أدى إلى اندلاع صراع دام قاد إلى تدخل تحالف عسكري بقيادة السعودية دعما لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي ابتداء من 26 آذار/مارس 2015.

“هذا الوصف يزعجني”، تؤكد رانيا لموقع (إرفع صوتك)، وهي أم لثلاثة اطفال تقطن وأسرتها في حي غالبية سكانه من الحوثيين شمالي العاصمة صنعاء.

وتضيف “أطفالي يسألونني ماذا تعني داعشية! لم يكن هذا موجودا قبل عام”.

فرز وتمييز

وتعكس مثل هذه الألفاظ وعبارات وممارسات أخرى على الأرض تمييزاً وفرزاً اجتماعياً على أساس طائفي ومناطقي، مع تصاعد نفوذ الجماعات الدينية المتطرفة الشيعية والسنية، التي تغذي استمرار النزاع الدائر في البلاد من خلال التعبئة والتحريض والشحن الديني والمذهبي.

يؤكد الباحث اليمني عبد الرحمن العلفي في حديث لموقع (إرفع صوتك) أن الصراع الدائر في اليمن اتجه نحو العنف المذهبي الذي “يشكل نقطة انطلاق لطبيعة مستمرة ومجذرة بالحقد والإقصاء”، على حد تعبيره.

العلفي، وهو المدير التنفيذي لمركز “منارات” المعني بالدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل، يرى أن هناك شواهد كثيرة برزت خلال الحرب الأخيرة ستحول الصراع إلى سني وشيعي. ويقول إن ما يجري الآن لا يتناسب إطلاقاً مع ما كان عليه المجتمع اليمني من حالة مقبولة من التعايش.

هيمنة البندقية

وفي حديث لموقع (إرفع صوتك)، يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء الدكتور عبد الله عزعزي أن المجتمع “سيعاني طويلاً قبل أن يتعافى من تأثير الحرب التي دمرت كل ما هو جميل”.

ويتحدث عزعزي عن “تشظي النسيج الاجتماعي”، ليس على مستوى الشمال والجنوب أو البنية الاجتماعية والثقافية فحسب، “إنما تشظي عمودي وأفقي شمل جميع مناحي الحياة وذهب إلى المقدس الذي لم يكن يختلف عليه أحد في السابق”.

“هناك فرز اجتماعي وثقافي واقتصادي، وهيمنة لمنطق البندقية والغلبة، وتراجع لمنطق السلم والتعايش”، يضيف عزعزي بنبرة يخالجها حزن كبير.

زمن الفوضى سيستمر

ويسرد الدكتور عزعزي، أهم مظاهر التدمير التي برزت مؤخرا، قائلا “كانت تعز محل إجماع بأن تكون حاملة المشروع المدني لليمن… الآن تشظت وأبناؤها يتقاتلون فيما بينهم”.

وأشار عزعزي إلى حادثة تفجير ضريح تاريخي لأحد أبرز علماء الصوفية في تعز، الشيخ عبد الهادي السودي، نهاية الشهر الماضي على أيدي متطرفين إسلاميين.

 “إذا كانت ثقافة التدمير وصلت إلى هدم القباب وتجريف العقول والمشاعر، فإن زمن الفوضى سيستمر طويلاً”، يقول عزعزي، مضيفا أن “المجتمع اليمني يمر في أسوأ حالاته”.

اليمنيون متعايشون

أما أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء الدكتور أحمد الصايدي فينفي وجود مؤشرات بعدم التعايش بين اليمنيين في الآونة الأخيرة.

وقال الصايدي لموقع (إرفع صوتك) “اليمنيون تعايشوا عبر التاريخ وما زالوا متعايشين، ويجب أن نتعايش. لأن القتال الحالي وسيلة لتحقيق متطلبات مشروع غربي”.

ما يحصل مفتعل

ومنذ اجتاحت جماعة الحوثيين وحلفاؤها صنعاء فرضت خطباء وأئمة موالين لها في أبرز مساجد العاصمة، وسرحت خطباء سابقين ينتمي غالبيتهم لحركة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب الإصلاح. وعلاوة على ذلك، عمدت الجماعة إلى تغيير أسماء مساجد اخرى، كما هو الحال مع جامع “ذي النورين عثمان بن عفان” شمالي العاصمة.

ويرى خصوم الحوثيين أن ذلك أبرز مظاهر التشيع التي تقوم بها الجماعة الموالية لإيران. لكن الدكتور الصايدي يقرأ الأمر من زاوية مختلفة. ويقول “هناك تعبئة ومعركة سياسية تحولت لمعركة عسكرية، بالتالي هم يريدون التأثير على الناس من خلال المساجد”.

ويوضح “لا وجود هنا لما يسمى بمساجد خاصة بالشيعة وأخرى بالسنة”، كما هو في العراق. “ما يحصل مفتعل وغير نابع عن تكويننا كيمنيين”.

التعليم

وانتقد الصايدي الدعوات المطالبة لفرض نموذج ستة أقاليم بحكومات وبرلمانات خاصة، كحل لمشكلة الحكم القائمة.

“هذا النموذج سيمكن الأقاليم لاحقا من تقرير مصيرها وتجزئة اليمن”.

ومن وجهة نظره فإنه يجب معالجة السبب الرئيس من خلال تقليص صلاحيات المركز الذي يتسلط على السلطة والثروة، بمنح صلاحيات واسعة للمحافظات. وأكد أنه “بالتعليم يمكن تعميق التعايش بشكل أكبر”.

تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن برس https://yemen-press.net - رابط الخبر: https://yemen-press.net/news79458.html