2014/02/16
«فالانتاين» سوريّ مبقّع بالدم: ناشطة علوية معارضة ترثي حبيبها المقاتل الإسلامي السني
لا تندهشوا… فسوريا باتت تقدم للعالم أبرز القصص الإنسانية في الحب كما في الحرب، وفي زمن الحرب الأهلية يستحيل الحب واقعا، فجمع طائفتين أدمتهما الكراهية قد يكون أيسر من جمع فتاة وشاب تحديا احد محرمات الزمن الجديد في سوريا.. أن تحب الآخر.

ولكن الثورة السورية تذكرنا دائما أن فيها ما يستحق الحياة، فبينما يحتدم الصراع بين السنة والعلويين في سوريا تتحدى فتاة علوية طائفتها وترتبط بمقاتل إسلامي سني يتحدى هو الآخر طائفته التي فقدت آلاف الضحايا.

ولأن كثيرا من قصص التعايش الجميلة تبدو غريبة على سوريا في هذا الزمن الدموي البشع، يموت الحب سريعا بمقتل الشاب الثائر برصاص النظام ويدفن يوم عيد الحب، بينما كان يستعد لملاقاة حبيبته بهدية.

وكأن النظام يقول للجميع.. لا مكان للعيش المشترك أو الحب المشترك.. إنها الحرب.. تأخذ من السوريين قصص الحب الجميلة في عيدها.. تماما كما أخذت من ثوار سوريا خيرة شبابهم وأكثر قادتهم اعتدالا ومحبة.

عندما تحدثت مع الناشطة العلوية (ل.م) كانت تجهش بالبكاء وتستعد لدخول سوريا نحو إدلب، حيث قبر فقيدها الذي قتل البارحة بمعركة مع النظام، لتضع على قبره وردة حمراء كانت تريد إهداءه إياها في موعد مرتقب عند الحدود التركية بعيد الحب ‘الفالانتين’، لتطوى قصة حب أيقونية جمعتهما في جبهات القتال بإدلب السورية.

الناشطة العلوية التي تحدثت في لقاء خاص مع ‘القدس العربي’ فضلت عدم الإشارة الصريحة لاسمها رغم أنها ناشطة إعلامية معروفة ذاع صيتها في قصة مأساوية أخرى عندما فقدت أحد أفراد أسرتها قتلا لتأييده الثورة السورية في بلدتهم الساحلية باللاذقية جبلة، وعادت لترثي فقيدها وتنشر صوره على صفحتها على موقع التواصل الإجتماعي ‘فيسبوك’ باعتباره صديقا من الثورة، قبل أن تخبر ‘القدس العربي’ بحقيقة قصة الحب بينهما بتفاصيلها الكاملة.

المقاتل الذي نتحفظ على ذكر اسمه لاعتبارات معروفة، نعته الجبهة الإسلامية في سوريا أمس بعد مقتله في معركة مع جيش النظام السوري بأطراف ادلب.

وتقول ‘ل.م’ لـ’القدس العربي’ إنها تعرفت على المقاتل الإسلامي خلال إحدى تغطياتها الصحافية في ريف ادلب، فهي تعمل مصورة لوكالة ‘رويتر’، وعندما عادت الى تركيا أرسلت له دعوة صداقة على موقع ‘الفيسبوك’ لكنه رفضها وقال لها إنه لا يحب الحديث مع الفتيات، خاصة أنه مقاتل في واحدة من أكبر الفصائل السلفية المسلحة في سوريا.

ولكنها أعادت المحاولة، وتقول في حديثها لـ’القدس العربي’ لبدء قصة علاقتها معه ‘رجعت تحركشت فيه.. لأني حبيته كتير.. كان وسيما جدا، وطيبا وخلوقا جدا، وحماني أكثر من مرة خلال عملي كمصورة في ريف إدلب، وأنقذني من الموت مرة برصاصة قناص، وبعدما عدت الى تركيا جاء لأنطاكيا لنلتقي، وقتها تمشينا عند نهر العاصي وقال لي ضاحكا إنه لم يمش مع فتاة منذ بدء الثورة، وقطفتله ياسمينة وأهديته اياها’.

وتشير الناشطة العلوية المعارضة الى قصة حدثت معها في انطاكيا حيث اجواء الاحتقان الطائفي التي ظلت تلاحقها، فنسبة كبيرة من السكان ينتمون للطائفة العلوية ويعلنون تأييدهم للرئيس الاسد ، وتحدث في كثير من الاحيان مصادمات ومشاحنات بين السوريين المقيمين هناك وبين علويي انطاكيا.

وتقول (ل.م) ‘في احدى المرات دخلنا الى احد المطاعم ، وبدأ الجميع يلتفت الى لحيته الكثيفة ، ولم نستطع الجلوس اكثر من نظرات الناس ،فقلت له تعال لنخرج قبل ان يعتقدوا انك ستفجر نفسك’.

وعادت الناشطة لتلتقيه في بنش بريف ادلب حيث قضت اياما وهي تصور المعارك مع النظام برفقته.وتقول مستذكرة انه كان لا يفارقها خوفا عليها، وقد نشرت على موقعها على ‘فيسبوك’ صورتين لها معه بوصفه صديقا عزيزا، وتقول ‘اخر صورة لي معه كانت داخل احد المباني عندما كنا نحتمي من قناص النظام’.

وبالتأكيد كان للنقاش السياسي والطائفي نصيب من حوارات الثائر السني والثائرة العلوية، فتقول ‘كنت اسأله دائما ضاحكة هل حملت سلاحك لتذبحنا نحن العلويين؟ فيضحك ويقول: ليس جميعكم، وقبل ايام هاجمني على ‘ فيسبوك’ احد ابناء طائفتي في جبلة لتأييدي الثورة السورية، وعندها قال لي اخبريه باننا قد نأتيهم يوما’.

وبالتأكيد تثير علاقة كهذه لمقاتل اسلامي في بيئة ريفية حفيظة الكثير من زملائه، خاصة وان الكراهية الطائفية بلغت ذروتها في الازمة السورية، لكن بالمقابل حافظت كل الفصائل الاسلامية وبما فيها السلفية على خطابها الذي يحترم الاقليات، وان كان ما يقال بالعلن لا يتفق ضرورة بما يهمس به سرا، لكن المؤكد ان الفصائل الاسلامية المسلحة الكبرى وفرت كل الحماية لجميع الناشطين والمنظمات الاجنبية التي كانت تدخل سوريا وتعاملت معهم بقدر كبير من الاحترام والمسؤولية بجميع اعضائها الاجانب والسوريين الذين ينتمون ربما لمشارب فكرية مختلفة كحالة الناشطة الصحافية العلوية وغيرها الكثير.

ولم يخرق هذا الاجماع الثوري السوري الا تنظيم ‘داعش’ الذي خطف وقتل العشرات من الصحافيين والناشطين ومنظمات الاغاثة قبل ان يواجه بحملة عسكرية شرسة من الفصائل الاسلامية والسلفية كجبهة النصرة واحرار الشام وصقور الشام ولواء التوحيد، حملة قللت كثيرا من نفوذه وحصرته في مناطق معينة واعادت لمناطق الريف الحلبي ومدينة حلب حراكها الثوري الاعلامي والاغاثي، اذ تمكن عشرات الناشطين من العودة لممارسة عملهم بحرية كما الحال مع الناشطة العلوية المعارضة (ل.م).

ولهدايا الاحبة في ادلب طعم اخر.. فالزعتر الذي يمثل رمزية ثقافية لنضال ابناء الشام وتمسكهم بالارض في سوريا الجنوبية (فلسطين) عاد اليوم ليصبح هدية الثوار السوريين في عيد الحب.

فقبل مقتله بأيام تقول الناشطة (ل.م) انها ودعته في ادلب وتركت اغراضها في سيارته، بانتظار اللقاء معه في ‘عيد الحب’، وتقول ‘كنت انتظره في انطاكيا، وقد وعدني ان يأتي واخبرني قبل يومين بانه (جايبلي هدية.. زعتر من جبال ادلب).

اما هي فقد كانت تستعد لشراء وردة حمراء تهديها اياه، لكنها الان في طريقها من انطاكيا لادلب لتضع هذه الوردة على قبره.

وتعتبر قصص الزواج من الطوائف المختلفة تحديا اجتماعيا في بلدان شهدت حروبا اهلية دامية كسوريا والعراق ولبنان، ورغم الحديث المتفائل في وسائل الاعلام عن التعايش السلمي والزواج المشترك الا ان الاحصاءات تشير الى نسب متدنية للزواج بين الطوائف المختلفة في العراق وسوريا ولبنان.

كما ان التقاليد الاجتماعية والدينية تضع قيودا صارمة على الزواج من (الغرباء) تصل لحد نبذ المخالف من الطائفة وابعاده. وما زال القانون الرسمي السوري المستمد من الشريعة الاسلامية فيما يتعلق بالاحوال الشخصية يمنع زواج المسلمة من غير المسلم، بينما يسمح بزواج المسلم من غير المسلمة ، لذلك يضطر الكثيرون للسفر لقبرص لاتمام الزواج المدني كما يحصل في لبنان كثيرا.

وبعد الاف القتلى في صراعات طائفية بالعراق وسوريا وقبلها لبنان، بات الكثير يقولون ان العيش المشترك لا يغدو كونه كلاما انشائيا عندما يتعلق الامر بالاندماج السكاني بين الطوائف المختلفة من شيعة وسنة ودروز وعلويين، اذ تبدو كل طائفة وكأنها تعيش في كانتونات منعزلة عن الاخرى من العراق لسوريا ولبنان، القرى منعزلة وذات لون طائفي واحد غالبا. المدن ان اختلطت فاحيائها منعزلة ، عدا عن بعض الاحياء ذات الطبيعة التجارية.

وينعكس هذا بشكل واضح على توزيع مناطق النفوذ السياسي في اي صراع كالثورة السورية، فالمناطق السنية في سوريا اغلبها مؤيدة للثورة والمناطق التي يسكنها الاقليات لا وجود لاي حراك ثوري سلمي او عسكري فيها. بل ان مناطق قروية كريف حماة وريف اللاذقية تشكل نقطة قوة للنظام من غير ان يزج بها بقواته النظامية اذ شكلت ميليشيات من ابناء القرى ونجحت في وقف امتداد الثورة من القرى السنية.

ولا يختلف الحال في العراق اذ كانت الحاضنة السنية هي الوحيدة المهيأة لاستقبال ودعم المقاتلين المقاومين للوجود الامريكي وقوات الحكومة العراقية ، وفقدت القوات الامريكية خلال وجودها بالعراق معظم جنودها في تلك المناطق، بينما لم تتعرض لاي خسائر كبيرة في المناطق الشيعية او الكردية ، بل ان القوات الحكومية المساندة للقوات الامريكية في هجومها على المناطق السنية كانت تتكون في حقيقتها من ميليشيات من المناطق الشيعية والكردية.

سوريا التي مزقتها حرب اهلية متوحشة، غدا العيش المشترك فيها مستحيلا بنظر الكثيرين، وبات الطلاق الذي هو ابغض الحلال مصيرا مرجحا رغم قسوته لدى مكونات شعب لطالما تغنى بوحدة وطنية افضت الى ملايين القتلى والجرحى والمهجرين.
تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن برس https://yemen-press.net - رابط الخبر: https://yemen-press.net/news27458.html