2019/09/17
بكتيريا صحراوية "تحدث ثورة" في عالم المضادات الحيوية

تبدو فكرة أن يستغرق المرء في تأمل التضاريس المقفرة لمنطقة "فايا دي لا لونا" (وادي القمر) الواقعة في صحراء أتاكاما في تشيلي أمرا لا طائل من ورائه، ناهيك عن أن يتصور الإنسان إمكانية وجود علاقة بين مكافحة الأمراض، وهذه الصحراء التي تتسم بأنها الأشد جفافا في العالم، ويوجد فيها قدر من الأشعة البنفسجية الأقوى على الإطلاق على وجه الأرض.

لكن لدى مايكل غودفيلو، عالم الأحياء الدقيقة في جامعة نيوكاسل، رأيا مخالفا، إذ يقول إن الظروف غير المواتية للغاية التي تسود أتاكاما، تشكل تحديدا العامل الذي قد يجعلها مفيدة بالنسبة لنا.

ويوضح غودفيلو بالقول: "هناك فرضية هنا مفادها بأنه طالما كانت الظروف التي تسود صحراء أتاكاما شديدة القسوة، فإن ذلك يعني أن الكائنات الحية الموجودة هناك تأقلمت مع هذه الأوضاع".

ومن هذا المنطلق، يرى غودفيلو أن البكتيريا التي نجحت في البقاء على قيد الحياة في مثل هذه البيئة الحافلة بالعوامل المعاكسة، أفرزت على الأرجح مكونات كيمياوية جديدة وفريدة من نوعها، يمكن أن يكون لها فوائد طبية مهمة.

وفي عام 2008، تسلم غودفيلو عينة أُخِذَت من قلب تربة هذه الصحراء القاحلة بشدة، إلى حد أن الأمطار لم تهطل على بعض من مناطقها فعليا منذ ملايين السنين، ما جعلها تُصنف يوما ما باعتبارها في حالة جفاف تفوق كل ما هو متعارف عليه في هذا الشأن.

ويقر غودفيلو بأنه وزملاؤه لم يتوقعوا - صراحة - أن يتمكنوا من العثور على أي كائنات حية تعيش داخل هذه العينة. لكنه فوجئ بأنه تمكن من إكثار مجموعة متنوعة من البكيتريا - كانت موجودة هناك - بداخل المعمل، ما أشعل شرارة دراسات استمرت عقدا من الزمان بشأن ميكروبات هذه المنطقة.


وتركز اهتمام الباحثين بشكل خاص على نوع من البكتيريا يعيش في أتاكاما، بدا مثيرا أكثر من غيره بالنسبة لهم. ويتمثل هذا النوع في شعبة مُنتجة لـ "البوغ"، أو خلية التكاثر اللا جنسي، تحمل اسم "البكتيريا الشعاوية"، وتشتهر في دوائر المهتمين بعلم الأحياء الدقيقة، بأنها قادرة على إفراز مركبات كيمياوية عضوية تُعرف باسم "المستقلبات الثانوية"، وتساعد على التصدي للميكروبات المنافسة لها.

ومن بين أنواع البكتيريا المنتمية لهذه الشعبة؛ نوع ينمو في تربة بعض الحدائق المنزلية. وعندما تُوضع عينة منه في مستعمرة سل فطري، تفرز مادة كيمياوية تمنع البكتيريا المجاورة لها، من إفراز البروتينات التي تحتاجها للبقاء على قيد الحياة.

وحينما نجح العلماء في جامعة روتغيرز الأمريكية في عزل هذه المادة في المختبر عام 1944، سنحت لهم الفرصة لتحضير أول مضاد حيوي لعلاج السل، ما أفضى لإنقاذ حياة عدد لا حصر له من الأشخاص.

وقد أثبتت الأنواع الجديدة من "البكتيريا الشعاوية" - التي وُجِدَت في صحراء أتاكاما ويعكف غودفيلو وغيره من الباحثين على دراستها - أنها تحتوي على خصائص كيمياوية مفيدة. فقد تبين أن الكثير من الجزئيات الـ 46 الجديدة المنتمية للسلالات البكتيرية الموجودة في هذه المنطقة الصحراوية من تلك التي أحصتها دراسة أُجريت عام 2018، تحتوي على خصائص مقاومة للجراثيم والفيروسات وللإصابة بالأورام السرطانية كذلك.

وبينما يؤكد غودفيلو أنه لم يتم بعد تحضير أي عقار دوائي تدخل في تكوينه هذه الأنواع من البكتيريا، فإن النتائج التي تم التوصل إليها حتى الآن، تشير إلى أن "أتاكاما" تمثل بقعة واعدة للبحث عن مضادات للفيروسات والجراثيم.

وتشكل صحراء "أتاكاما" نموذجا رئيسيا لما يصفه الباحثون بـ "الغلاف الحيوي الأقصى"، وهو مصطلح يُطلق على بقاع من العالم أدت عوامل مثل الجفاف الشديد أو انتشار الأشعة البنفسجية أو الضغوط الهائلة أو ارتفاع درجة الحموضة، إلى جعل الحياة فيها تبدو كما لو كانت على الحافة.

وفي السنوات القليلة الماضية، عكف العلماء على التنقيب عن الموائل التي تسودها ظروف غير مواتية على هذه الشاكلة. وقد وجد هؤلاء باستمرار مستعمرات من البكتيريا ذات قدرة هائلة على التحمل، نجحت في البقاء على قيد الحياة رغم كل الصعاب.

وفي عام 1998، جلبت غاطسة يابانية بكتيريا تُعرف بأنها قادرة على الحياة في بيئة تسودها الضغوط الكبيرة للغاية، وذلك من رواسب بمنطقة "خندق ماريانا"؛ التي تشكل البقعة الأعمق على سطح الكرة الأرضية، وتقع على بعد 11 ألف متر (36 ألف قدم) تحت سطح البحر.

ويمكن لهذا النوع من الكائنات الحياة العيش تحت ضغوط تزيد 700 مرة عن المستوى الموجود على السطح.

وفي عام 2009، أعلنت جيل ميكوسكي، عالمة في مجال التوزيع الجغرافي للأحياء الدقيقة، اكتشاف تجمع للميكروبات على بعد 400 متر تحت مستوى سطح ما يُعرف بـ "الجليد الأزرق" الموجود في القارة القطبية الجنوبية.

وتمكنت هذه الميكروبات من الحياة لملايين السنين، عبر الامتصاص التدريجي للطاقة من رواسب الحديد الموجودة في هذه المنطقة. ويشير ذلك إلى أن البكتيريا تستعمر العالم بحق، سواء كانت تقبع في بركان ثار لتوه في أيسلندا، أو تستقر منذ آلاف السنين تحت طبقة الجليد الدائم في سيبيريا.
تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن برس https://yemen-press.net - رابط الخبر: https://yemen-press.net/news104700.html