قالت مصادر أخبارية أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك لم ينم سوى ساعتين في الليلة التي سبقت الجلسة الأولى من محاكمته، ووفقاً للمعلومات فإن الرجل كان شارد الذهن، ولم يتحدث مع أحد من فريقه الطبي منذ خروجه من مستشفى شرم الشيخ وحتى وصوله إلى أكاديمية الشرطة.
لم يكن المصريون في أشد حالات الكرب خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك، يتخيلون أو يحلمون أن يروه في قفص الإتهام، ولم يكن هو يتخيل أن يجور الزمان عليه بهذا الشكل، ويجعله أول رئيس عربي يسقطه شعبه عبر ثورة شعبية من دون تدخل أجنبي، ويحاكمه حضورياً هو وابنيه ورموز نظام حكمه الذي إستمر لنحو ثلاثين عاماً.
لكن أضغاث الأحلام التي لم تراود مبارك لحظة، صارت حقيقة على أرض الواقع، وها هو الرئيس المصري السابق يحاكم حضورياً في جرائم تتعلق بقتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير، إضافة إلى جرائم تتعلق بالفساد وسوء إستغلال السلطة.
12 ساعة
تعرض مبارك طوال سنوات حكمه الثلاثين للعديد من الأزمات، وإنتصر عليها كلها، بإستثناء الإحتجاجات التي إنطلقت في 25 يناير، وأطاحت به بعد 18 يوماً فقط من إشتعالها، وكانت تلك الثمانية عشر يوماً من أصعب الأيام التي مر بها طوال حياته، لكن الأصعب مما سبق هو 12 ساعة التي شهدت إنتقاله من مستشفى شرم الشيخ في جنوب سيناء في شرق البلاد إلى ضاحية القاهرة الجديدة في العاصمة المصرية، حيث جرّب وللمرة الأولى في حياته مذلة ومهانة السجن، وهو على سرير المرض، بينما يتابع العالم كله وقائع محاكمته عبر شاشات التليفزيون. حيث بدأت الجلسة الأولى في العاشرة صباحاً وإنتهت في الثالثة عصراً.
مبارك لم ينم
ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها "إيلاف" من مصادر مطلعة، فإن الرئيس السابق حسني مبارك لم ينم ليلته، بإستثناء ساعتين فقط، استراح فيهما بعد تناول الإفطار في السابعة مساء، وأدى الصلاة في وضع الجلوس على كرسي بالقرب من السرير في المستشفى، وقرأ بعضاً من القرآن الكريم، حتى الثانية عشر ليلاً، بينما تولّت زوجته سوزان ثابت تجهيز ملابسه والإطمئنان إلى سير عملية إنتقاله من المستشفى إلى السجن.
خطة الخروج
أدّى مبارك صلاة فجر يوم 3 أغسطس/آب، ثم إرتدى ملابسه السجن البيضاء، إستعداداً لركوب الطائرة متوجهاً إلى أكاديمية الشرطة في القاهرة، لكن الحرس الخاص به أخبره أنه تم تغيير خطة الخروج من المستشفى في اللحظات الأخيرة، حيث تقرر أن يستقل سيارة إسعاف مجهزة طبياً حتى مطار شرم الشيخ، وليس طائرة مروحية، وأعد مدير أمن جنوب سيناء اللواء محمد نجيب الخطة، تحت إشراف مباشر من وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي، الذي أبلغ تفاصيلها للمشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري.
وحسب الخطة، فإنه تم نقل مبارك بسيارة إسعاف عادية من سيارات المستشفى، حيث خرجت ثلاث سيارات في الساعة الخامسة صباحاً، كان مبارك يرقد في واحدة منها، وفي مطار شرم الشيخ كانت بإنتظاره طائرة هيلكوبتر تابعة لرئاسة الجمهورية، إستقلها الرئيس السابق ومعه الفريق الطبي المعالج له. بينما حاصرت قوات من الشرطة العشرات من الناشطين الذين كانوا يعتصمون أمام المستشفى، وأبعدتهم عن البوابة الرئيسة.
مروحيات الرئيس ونجله
كان مبارك يستخدم ثلاث مروحيات رئاسية في تنقلات داخل الجمهورية، وتحديداً من شرم الشيخ إلى القاهرة أو العكس أو الإسكندرية، وهي المدن الثلاث التي كان يرتادها خلال السنوات العشر الماضية، حيث ندرت زيارته إلى المحافظات الفقيرة، وإقتصرت على إفتتاح المشروعات الكبرى فقط، والتي كان يفصل بينها سنوات.
ترك مبارك مهمة زيارة المدن والقرى الفقيرة لابنه جمال، الذي كان يعدّه لخلافته في حكم مصر، وفي ذلك في إطار حملة لتقريبه من البسطاء، لكنهم كانوا يكرهونه بشدة، لاسيما أنه كان يتحدث معهم بلغة متعالية وغير مفهومة بالنسبة إليهم.
إضافة إلى أنه كان يغيب عن الحوادث الكبرى في حياتهم، ولعل أبرزها حادث إحتراق قطار الصعيد في العام 2002، الذي راح ضحيته نحو ثلاثة آلاف شخص عشية عيد الأضحى، وحادث غرق العبارة السلام 98 المملوكة لرجل الأعمال ممدوح إسماعيل، الذي فرّ خارج البلاد بمساعدة شريكه وصديقه زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، وفقدت مصر في هذا الحادث نحو 1350 شخصاً ماتوا غرقاً في البحر الأحمر، بينما كان جمال يتابع مبارة كرة قدم.
وكان جمال يستخدم المروحيات الرئاسية في تنقلاته أيضاً داخل البلاد. لكن حلم جمال تحول إلى كابوس، وتسبب في الإطاحة بوالده وتقديمهما وشقيقه علاء إلى المحاكمة بتهم قتل المتظاهرين الذين خرجوا لإجهاض حلمه الرئاسي.
شارد الذهن
وحسب المعلومات التي توافرت لـ"إيلاف" من مصادر مطلعة، فإن مبارك كان شارد الذهن، ولم يتحدث مع أحد من فريقه الطبي منذ خروجه من مستشفى شرم الشيخ وحتى وصوله إلى أكاديمية الشرطة في ضاحية القاهرة الجديدة، في شمال شرق العاصمة.
لكن المصادر لم تتأكد مما إذا كان صائماً أم لا، لكنها رجّحت أن يكون صائماً، لأنه لا يعاني أمراضًا خطرة تستدعي إفطاره، مثل السكر أو السرطان، أو القلب أو الإلتهابات الكبدية، مشيرة إلى أن تقارير وزارة الصحة تشير إلى أن حالته مستقرة، ويعاني إكتئابًا وإرتفاعًا بسيطًا في ضغط الدم.
مبارك عادة قليل الكلام، يسمع كثيراً، ولا يصدر قرار إلا بعد الإستماع لوجهات نظر عدة، لكنه في السنوات العشر الأخيرة لم يكن يستمع سوى لخمسة أشخاص فقط، هم زوجته سوزان ثابت، ونجله الأصغر جمال، ورئيس ديوانه زكريا عزمي، ورئيس مجلس الشورى السابق صفوت الشريف، وصديقه رجل الأعمال ومصدر الغاز لإسرائيل حسين سالم، والأخير معروف في مصر بأنه "بنكير عائلة مبارك".
فقد تخلص مبارك من المستشارين السياسيين، مثل الدكتور أسامة الباز، وسعد الدين إبراهيم، والأخير تحول إلى واحد من أشد المعارضين لحكمه في ما بعد، وتعرض للسجن والتنكيل به.
لقاء الأب وابنيه قبل المحاكمة
وصل مبارك إلى أكاديمية الشرطة في الثامنة والنصف صباحاً، وكانت الأكاديمية تحمل اسم "أكاديمية مبارك للأمن" قبل صدور حكم قضائي بتاريخ 21 أبريل/نيسان الماضي، برفع اسمه هو وزوجته ونجله جمال من على كل المنشآت والمؤسسات الرسمية، ومكث في المستشفى الخاص بالأكاديمية لنحو نصف الساعة إلتقى خلالها مع نجليه علاء وجمال للمرة الأولى منذ القبض عليهما في 13 أبريل الماضي، حيث لم يلتقوا بعضهم طوال الشهور الأربعة الماضية، حيث كانا محبوسين في سجن مزرعة طّرة في القاهرة، بينما كان والدهما محتجزاً في مستشفى شرم الشيخ بالقرب من الحدود الشرقية لمصر مع إسرائيل.
وحسب المصادر، فإن لقاء مبارك بابنيه جاء بعد إستئذان المحكمة، وعندما دخل علاء وجمال على والدهما، وهو يرقد على سرير ثابت في مستشفى أكاديمية الشرطة، إحتضناه، وقبلا يديه، وبكى علاء الابن الأكبر لمبارك، بينما قال له جمال "سامحني يا بابا"، فيما ظل مبارك متماسكاً وشارداً، ولم يتحدث كثيراً، وإكتفى بالسؤال عن أحوالهما وصحتهما.
لم يلتق مبارك وزير داخليته حبيب العادلي خارج قفص الإتهام، قبل أو بعد أو أثناء جلسة المحاكمة الأولى التي رفعت مرتين، الأولى للإستراحة والأخرى للمداولة. ولم يتبادلا النظرات أثناء الوجود في قفص الإتهام، وتحاشا علاء وجمال والعادلي النظر إلى بعضهم البعض.
لقاء مبارك وعلاء وجمال بالديب
كان مبارك مرهقاً عند بدء الجلسة، حيث بدت عيناه حمراوين، لكنه كان متيقظاً وواعياً لما يدور حوله، وبدا في صحة جيدة، الأمر الذي ينفي بشدة كل الأقاويل التي حاول محاميه فريد الديب ترويجها طوال الشهور الماضية، وتزعم أن مبارك يعاني غيبوبة مستمرة، وأنها تستمر لأكثر من 12 ساعة يومياً.
وعلى ذكر المحامي فريد الديب، أفادت المصادر أنه ألتقى مبارك ونجليه قبل بدء الجلسة، وطلب منهم عدم الحديث إلا إذا طلب منهم القاضي، ولقنهم العبارة التي قالوها أثناء المحاكمة عندما سألهم القاضي أحمد رفعت كل على حدة ما قولك في ما هو منسوب إليك في لائحة إتهام النيابة، فكان الرد "أنكرها جميعاً".
وفريد الديب محامي أستمد شهرته من القضايا المثيرة للجدل التي ترافع فيها، ومنها قضايا الجاسوسية، حيث كان محامي الجاسوس الإسرائيلي الأشهر عزام عزام، حيث حكم على عزام بالسجن لمدة 15 عاماً، ولم يفرج عنه إلا في إطار صفقة سياسية في العام 2004. وقضية رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى المتهم بقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم.
اللحظة الأصعب
رغم أن لحظة دخول مبارك قفص الإتهام كانت صعبة، لكن الأصعب عليه كان وقوفه هو ونجليه في قفص واحد متهمين بجريمتي التحريض على قتل المتظاهرين والفساد، وهما تهمتان تصل العقوبة فيهما إلى الإعدام حسب قانون العقوبات المصري.
ورغم أن مبارك ظهر متماسكاً أثناء المحاكمة، غير أنه كان شارداً أيضاً، ولم يكن يتابع ما يجري من حوله بطريقة جيدة، حيث يعاني ضعفًا في السمع، وكان هذا واضحاً أثناء المؤتمرات الصحافية، حيث عادة ما كان يطلب إعادة طرح السؤال عليه، وكان يضع كفّ يده إلى جانب أذنه من أجل إستراق السمع، ظهر أيضاً أنه يعاني تلك المشكلة الصحية، عندما طلب القاضي سماع رده على الإتهامات الموجهة إليه من النيابة، فطلب من نجله جمال إعادة السؤال عليه، حيث لم يسمعه جيداً، وهنا رد "أنكرها جميعاً".
أثناء الاستراحتين اللتين تخللتا الجلسة الأولى للمحاكمة، لم ينبث مبارك ببنت شفاه أيضاً. وأجرى له الفريق الطبي المرافق له قياساً لضغط الدم.
مكان وفاة حفيده
في الثالثة عصراً بتوقيت القاهرة، وعقب تأجيل جلسة المحاكمة إلى 15 أغسطس الجاري، خرج مبارك على سريره، ونقل إلى المركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة، وهو المستشفى التي نقل إليها حفيده محمد علاء، عندما سقط من فوق ظهر الحصان أثناء التمرن على ركوب الخيل، ومنه إلى العاصمة الفرنسية باريس، لكن أحدًا لم يستطع إنقاذه من الموت، حيث فاضت روح الصغير ذي 12 عاماً في 18 يونيو من العام 2009.
أثر هذا الحادث بشكل كبير في معنويات مبارك وصحته، حيث حزن جداً على وفاة حفيده البكر، وظل يرتدي الكرفاتات السوداء حداداً عليه حتى آخر ظهور رسمي له في 10 فبراير الماضي، قبل يوم واحد من إعلان نائبه عمر سليمان تنحّيه عن السلطة ونقلها إلى المجلس العسكري.
طوال الإثني عشر ساعة تلك، كان مبارك يفكر في ما آل إليه حاله بعد ثلاثين عاماً في حكم أكبر بلد عربي، وكان يسترجع ذكرياته أيام السلطة، وكيف أن نهايته جاءت على غير ما خطط ودبر، وبدلاً من أن يشهد العالم كله مراسم تولي نجله جمال الحكم في إنتخابات سيقال إنها نزيهة، يتابع الآن مراسم محاكمته.
لم يكن المصريون في أشد حالات الكرب خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك، يتخيلون أو يحلمون أن يروه في قفص الإتهام، ولم يكن هو يتخيل أن يجور الزمان عليه بهذا الشكل، ويجعله أول رئيس عربي يسقطه شعبه عبر ثورة شعبية من دون تدخل أجنبي، ويحاكمه حضورياً هو وابنيه ورموز نظام حكمه الذي إستمر لنحو ثلاثين عاماً.
لكن أضغاث الأحلام التي لم تراود مبارك لحظة، صارت حقيقة على أرض الواقع، وها هو الرئيس المصري السابق يحاكم حضورياً في جرائم تتعلق بقتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير، إضافة إلى جرائم تتعلق بالفساد وسوء إستغلال السلطة.
12 ساعة
تعرض مبارك طوال سنوات حكمه الثلاثين للعديد من الأزمات، وإنتصر عليها كلها، بإستثناء الإحتجاجات التي إنطلقت في 25 يناير، وأطاحت به بعد 18 يوماً فقط من إشتعالها، وكانت تلك الثمانية عشر يوماً من أصعب الأيام التي مر بها طوال حياته، لكن الأصعب مما سبق هو 12 ساعة التي شهدت إنتقاله من مستشفى شرم الشيخ في جنوب سيناء في شرق البلاد إلى ضاحية القاهرة الجديدة في العاصمة المصرية، حيث جرّب وللمرة الأولى في حياته مذلة ومهانة السجن، وهو على سرير المرض، بينما يتابع العالم كله وقائع محاكمته عبر شاشات التليفزيون. حيث بدأت الجلسة الأولى في العاشرة صباحاً وإنتهت في الثالثة عصراً.
مبارك لم ينم
ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها "إيلاف" من مصادر مطلعة، فإن الرئيس السابق حسني مبارك لم ينم ليلته، بإستثناء ساعتين فقط، استراح فيهما بعد تناول الإفطار في السابعة مساء، وأدى الصلاة في وضع الجلوس على كرسي بالقرب من السرير في المستشفى، وقرأ بعضاً من القرآن الكريم، حتى الثانية عشر ليلاً، بينما تولّت زوجته سوزان ثابت تجهيز ملابسه والإطمئنان إلى سير عملية إنتقاله من المستشفى إلى السجن.
خطة الخروج
أدّى مبارك صلاة فجر يوم 3 أغسطس/آب، ثم إرتدى ملابسه السجن البيضاء، إستعداداً لركوب الطائرة متوجهاً إلى أكاديمية الشرطة في القاهرة، لكن الحرس الخاص به أخبره أنه تم تغيير خطة الخروج من المستشفى في اللحظات الأخيرة، حيث تقرر أن يستقل سيارة إسعاف مجهزة طبياً حتى مطار شرم الشيخ، وليس طائرة مروحية، وأعد مدير أمن جنوب سيناء اللواء محمد نجيب الخطة، تحت إشراف مباشر من وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي، الذي أبلغ تفاصيلها للمشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري.
وحسب الخطة، فإنه تم نقل مبارك بسيارة إسعاف عادية من سيارات المستشفى، حيث خرجت ثلاث سيارات في الساعة الخامسة صباحاً، كان مبارك يرقد في واحدة منها، وفي مطار شرم الشيخ كانت بإنتظاره طائرة هيلكوبتر تابعة لرئاسة الجمهورية، إستقلها الرئيس السابق ومعه الفريق الطبي المعالج له. بينما حاصرت قوات من الشرطة العشرات من الناشطين الذين كانوا يعتصمون أمام المستشفى، وأبعدتهم عن البوابة الرئيسة.
مروحيات الرئيس ونجله
كان مبارك يستخدم ثلاث مروحيات رئاسية في تنقلات داخل الجمهورية، وتحديداً من شرم الشيخ إلى القاهرة أو العكس أو الإسكندرية، وهي المدن الثلاث التي كان يرتادها خلال السنوات العشر الماضية، حيث ندرت زيارته إلى المحافظات الفقيرة، وإقتصرت على إفتتاح المشروعات الكبرى فقط، والتي كان يفصل بينها سنوات.
ترك مبارك مهمة زيارة المدن والقرى الفقيرة لابنه جمال، الذي كان يعدّه لخلافته في حكم مصر، وفي ذلك في إطار حملة لتقريبه من البسطاء، لكنهم كانوا يكرهونه بشدة، لاسيما أنه كان يتحدث معهم بلغة متعالية وغير مفهومة بالنسبة إليهم.
إضافة إلى أنه كان يغيب عن الحوادث الكبرى في حياتهم، ولعل أبرزها حادث إحتراق قطار الصعيد في العام 2002، الذي راح ضحيته نحو ثلاثة آلاف شخص عشية عيد الأضحى، وحادث غرق العبارة السلام 98 المملوكة لرجل الأعمال ممدوح إسماعيل، الذي فرّ خارج البلاد بمساعدة شريكه وصديقه زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، وفقدت مصر في هذا الحادث نحو 1350 شخصاً ماتوا غرقاً في البحر الأحمر، بينما كان جمال يتابع مبارة كرة قدم.
وكان جمال يستخدم المروحيات الرئاسية في تنقلاته أيضاً داخل البلاد. لكن حلم جمال تحول إلى كابوس، وتسبب في الإطاحة بوالده وتقديمهما وشقيقه علاء إلى المحاكمة بتهم قتل المتظاهرين الذين خرجوا لإجهاض حلمه الرئاسي.
شارد الذهن
وحسب المعلومات التي توافرت لـ"إيلاف" من مصادر مطلعة، فإن مبارك كان شارد الذهن، ولم يتحدث مع أحد من فريقه الطبي منذ خروجه من مستشفى شرم الشيخ وحتى وصوله إلى أكاديمية الشرطة في ضاحية القاهرة الجديدة، في شمال شرق العاصمة.
لكن المصادر لم تتأكد مما إذا كان صائماً أم لا، لكنها رجّحت أن يكون صائماً، لأنه لا يعاني أمراضًا خطرة تستدعي إفطاره، مثل السكر أو السرطان، أو القلب أو الإلتهابات الكبدية، مشيرة إلى أن تقارير وزارة الصحة تشير إلى أن حالته مستقرة، ويعاني إكتئابًا وإرتفاعًا بسيطًا في ضغط الدم.
مبارك عادة قليل الكلام، يسمع كثيراً، ولا يصدر قرار إلا بعد الإستماع لوجهات نظر عدة، لكنه في السنوات العشر الأخيرة لم يكن يستمع سوى لخمسة أشخاص فقط، هم زوجته سوزان ثابت، ونجله الأصغر جمال، ورئيس ديوانه زكريا عزمي، ورئيس مجلس الشورى السابق صفوت الشريف، وصديقه رجل الأعمال ومصدر الغاز لإسرائيل حسين سالم، والأخير معروف في مصر بأنه "بنكير عائلة مبارك".
فقد تخلص مبارك من المستشارين السياسيين، مثل الدكتور أسامة الباز، وسعد الدين إبراهيم، والأخير تحول إلى واحد من أشد المعارضين لحكمه في ما بعد، وتعرض للسجن والتنكيل به.
لقاء الأب وابنيه قبل المحاكمة
وصل مبارك إلى أكاديمية الشرطة في الثامنة والنصف صباحاً، وكانت الأكاديمية تحمل اسم "أكاديمية مبارك للأمن" قبل صدور حكم قضائي بتاريخ 21 أبريل/نيسان الماضي، برفع اسمه هو وزوجته ونجله جمال من على كل المنشآت والمؤسسات الرسمية، ومكث في المستشفى الخاص بالأكاديمية لنحو نصف الساعة إلتقى خلالها مع نجليه علاء وجمال للمرة الأولى منذ القبض عليهما في 13 أبريل الماضي، حيث لم يلتقوا بعضهم طوال الشهور الأربعة الماضية، حيث كانا محبوسين في سجن مزرعة طّرة في القاهرة، بينما كان والدهما محتجزاً في مستشفى شرم الشيخ بالقرب من الحدود الشرقية لمصر مع إسرائيل.
وحسب المصادر، فإن لقاء مبارك بابنيه جاء بعد إستئذان المحكمة، وعندما دخل علاء وجمال على والدهما، وهو يرقد على سرير ثابت في مستشفى أكاديمية الشرطة، إحتضناه، وقبلا يديه، وبكى علاء الابن الأكبر لمبارك، بينما قال له جمال "سامحني يا بابا"، فيما ظل مبارك متماسكاً وشارداً، ولم يتحدث كثيراً، وإكتفى بالسؤال عن أحوالهما وصحتهما.
لم يلتق مبارك وزير داخليته حبيب العادلي خارج قفص الإتهام، قبل أو بعد أو أثناء جلسة المحاكمة الأولى التي رفعت مرتين، الأولى للإستراحة والأخرى للمداولة. ولم يتبادلا النظرات أثناء الوجود في قفص الإتهام، وتحاشا علاء وجمال والعادلي النظر إلى بعضهم البعض.
لقاء مبارك وعلاء وجمال بالديب
كان مبارك مرهقاً عند بدء الجلسة، حيث بدت عيناه حمراوين، لكنه كان متيقظاً وواعياً لما يدور حوله، وبدا في صحة جيدة، الأمر الذي ينفي بشدة كل الأقاويل التي حاول محاميه فريد الديب ترويجها طوال الشهور الماضية، وتزعم أن مبارك يعاني غيبوبة مستمرة، وأنها تستمر لأكثر من 12 ساعة يومياً.
وعلى ذكر المحامي فريد الديب، أفادت المصادر أنه ألتقى مبارك ونجليه قبل بدء الجلسة، وطلب منهم عدم الحديث إلا إذا طلب منهم القاضي، ولقنهم العبارة التي قالوها أثناء المحاكمة عندما سألهم القاضي أحمد رفعت كل على حدة ما قولك في ما هو منسوب إليك في لائحة إتهام النيابة، فكان الرد "أنكرها جميعاً".
وفريد الديب محامي أستمد شهرته من القضايا المثيرة للجدل التي ترافع فيها، ومنها قضايا الجاسوسية، حيث كان محامي الجاسوس الإسرائيلي الأشهر عزام عزام، حيث حكم على عزام بالسجن لمدة 15 عاماً، ولم يفرج عنه إلا في إطار صفقة سياسية في العام 2004. وقضية رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى المتهم بقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم.
اللحظة الأصعب
رغم أن لحظة دخول مبارك قفص الإتهام كانت صعبة، لكن الأصعب عليه كان وقوفه هو ونجليه في قفص واحد متهمين بجريمتي التحريض على قتل المتظاهرين والفساد، وهما تهمتان تصل العقوبة فيهما إلى الإعدام حسب قانون العقوبات المصري.
ورغم أن مبارك ظهر متماسكاً أثناء المحاكمة، غير أنه كان شارداً أيضاً، ولم يكن يتابع ما يجري من حوله بطريقة جيدة، حيث يعاني ضعفًا في السمع، وكان هذا واضحاً أثناء المؤتمرات الصحافية، حيث عادة ما كان يطلب إعادة طرح السؤال عليه، وكان يضع كفّ يده إلى جانب أذنه من أجل إستراق السمع، ظهر أيضاً أنه يعاني تلك المشكلة الصحية، عندما طلب القاضي سماع رده على الإتهامات الموجهة إليه من النيابة، فطلب من نجله جمال إعادة السؤال عليه، حيث لم يسمعه جيداً، وهنا رد "أنكرها جميعاً".
أثناء الاستراحتين اللتين تخللتا الجلسة الأولى للمحاكمة، لم ينبث مبارك ببنت شفاه أيضاً. وأجرى له الفريق الطبي المرافق له قياساً لضغط الدم.
مكان وفاة حفيده
في الثالثة عصراً بتوقيت القاهرة، وعقب تأجيل جلسة المحاكمة إلى 15 أغسطس الجاري، خرج مبارك على سريره، ونقل إلى المركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة، وهو المستشفى التي نقل إليها حفيده محمد علاء، عندما سقط من فوق ظهر الحصان أثناء التمرن على ركوب الخيل، ومنه إلى العاصمة الفرنسية باريس، لكن أحدًا لم يستطع إنقاذه من الموت، حيث فاضت روح الصغير ذي 12 عاماً في 18 يونيو من العام 2009.
أثر هذا الحادث بشكل كبير في معنويات مبارك وصحته، حيث حزن جداً على وفاة حفيده البكر، وظل يرتدي الكرفاتات السوداء حداداً عليه حتى آخر ظهور رسمي له في 10 فبراير الماضي، قبل يوم واحد من إعلان نائبه عمر سليمان تنحّيه عن السلطة ونقلها إلى المجلس العسكري.
طوال الإثني عشر ساعة تلك، كان مبارك يفكر في ما آل إليه حاله بعد ثلاثين عاماً في حكم أكبر بلد عربي، وكان يسترجع ذكرياته أيام السلطة، وكيف أن نهايته جاءت على غير ما خطط ودبر، وبدلاً من أن يشهد العالم كله مراسم تولي نجله جمال الحكم في إنتخابات سيقال إنها نزيهة، يتابع الآن مراسم محاكمته.