في لحظة تاريخية تحبس الأنفاس، يقف 11 طفلاً مصرياً اليوم على بُعد 90 دقيقة فقط من كتابة أسمائهم بأحرف من ذهب في سجل الكرة المصرية. بمعدل أعمار يبلغ 16.5 سنة - أصغر من عمر معظم هواتفنا الذكية - يحمل هؤلاء الناشئون على أكتافهم النحيلة آمال وأحلام 110 مليون مصري. الساعة تشير إلى العد التنازلي: اليوم الجمعة، 3 عصراً بتوقيت الدوحة - لا مجال للتأجيل، لا فرصة ثانية، لا عذر للفشل!
أعلن أحمد الكاس، المدير الفني لمنتخب مصر للناشئين، التشكيلة النهائية التي ستخوض معركة العمر أمام سويسرا في الدور الثاني من مونديال الناشئين. وكأنه جنرال يختار فرسانه للمعركة الحاسمة، اعتمد الكاس على عمر عبد العزيز حارساً للمرمى، هذا الفتى السكندري البالغ من العمر 17 عاماً والذي يحمل على كتفيه مسؤولية الدفاع عن المرمى المصري أمام الهجمات السويسرية الشرسة. "أثق في هؤلاء الأطفال أكثر من ثقتي في نفسي"، قال الكاس بصوت يختلط فيه الفخر بالتوتر، "لقد قطعوا 2,847 كيلومتر من القاهرة للدوحة ليس فقط للعب، بل لتحقيق حلم شعب بأكمله."
هذه المباراة ليست مجرد لقاء كروي عادي، بل هي كسرعة البرق - لحظة واحدة قد تحدد مصير حلم استغرق سنوات بناؤه. كما في مونديال الشباب 2009 عندما وصل المنتخب المصري لنصف النهائي وأشعل فرحة لا تُنسى في قلوب المصريين، يحمل هذا الجيل الجديد نفس الطموح والعزيمة. د. محمد صلاح الدين، خبير كرة القدم الناشئة، يؤكد: "هذا الجيل الأكثر موهبة منذ جيل التسعينات، لديهم القدرة على صنع المعجزات." والأرقام تتحدث بوضوح: النسخة العشرون للبطولة، الدور الثاني الذي لم تصله مصر منذ سنوات، وتشكيلة تجمع بين الخبرة النسبية والموهبة الفطرية.
بينما تستعد مصر كلها لتتوقف عند الساعة الثالثة عصراً، تروي والدة حمزة عبد الكريم قصة مؤثرة: "ابني يحلم بهذه اللحظة منذ كان عمره 8 سنوات، كان يقول لي 'سأجعل مصر فخورة بي يا ماما'." هكذا تتحول ملاعب أسباير الرياضية في الدوحة إلى مسرح لأحلام الملايين، حيث سيرفرف العلم المصري في المدرجات وسط هتافات الجمهور العربي الداعم. الضغط النفسي هائل - مليارات المشاهدين حول العالم سيراقبون أداء هؤلاء الأطفال تحت شمس قطر الحارة، في مواجهة تشبه معركة داود ضد جالوت. الفائز من هذه المواجهة سيكافح للوصول إلى دور الثمانية، بينما الخاسر سيعود محملاً بالذكريات وربما بعض الندم.
في النهاية، ستحمل الرياح اليوم إما عبير النصر وأصداء فرحة شعب بأكمله، أو مرارة الهزيمة وأحزان جيل حلم بالمجد. المباراة على ملعب 5 بمدينة أسباير ستكون أكثر من مجرد مباراة كرة قدم - ستكون اختباراً لأحلام، وقياساً لطموحات، وربما بداية لأسطورة جديدة. هل سيكتب هؤلاء الأطفال التاريخ اليوم، أم ستبقى أحلامهم حبيسة قلوبهم لأربع سنوات أخرى؟