في تطور اقتصادي مرعب يهز أركان الاقتصاد اليمني، كشفت نشرة أسعار الصرف صباح اليوم عن فجوة صادمة تزيد عن 1100 ريال يمني في سعر الدولار الواحد بين المناطق المختلفة، حيث يبلغ سعر الدولار في عدن وحضرموت 1632 ريالاً مقابل 522 ريالاً فقط في صنعاء. هذا الانقسام النقدي المدمر يضع اليمن أمام كارثة اقتصادية لم تشهدها البلاد من قبل، والوقت ينفد أمام المواطنين لحماية مدخراتهم من الانهيار الوشيك.
أحمد محمد، موظف حكومي في عدن براتب شهري قدره 100 ألف ريال، يواجه مأساة حقيقية حيث أن راتبه يساوي 61 دولاراً فقط، بينما لو كان يعمل في صنعاء بنفس الراتب لحصل على ما يعادل 191 دولاراً. "لا أستطيع فهم كيف أصبحت عملة بلدي تحمل ثلاث قيم مختلفة في نفس اليوم"، يقول أحمد وهو يتصفح نشرة الأسعار بيأس. هذه الفجوة الجنونية التي تتجاوز 300% تعني أن الموظف في عدن يحتاج لثلاث رواتب ليعيش بنفس المستوى الذي يعيشه نظيره في صنعاء.
الجذور العميقة لهذه الكارثة تعود إلى الانقسام السياسي والاقتصادي المستمر منذ 2014، حين تحول اليمن فعلياً إلى اقتصادين منفصلين في جسد واحد، مثل ألمانيا الشرقية والغربية لكن بتعقيدات أكثر خطورة. السيطرة المختلفة على البنك المركزي وآليات طباعة العملة خلقت واقعاً مريراً حيث تتحكم كل منطقة في سياساتها النقدية بشكل مستقل. د. فادي الحكيمي، الخبير الاقتصادي، يحذر قائلاً: "نشهد تمزقاً في النسيج الاقتصادي اليمني قد يستغرق عقوداً لإصلاحه، والأسوأ أننا نتجه نحو انهيار شامل خلال الأشهر القادمة".
تأثير هذا الانقسام المدمر يطال كل تفاصيل الحياة اليومية، حيث أصبح شراء كيلو الأرز معادلة رياضية معقدة تختلف حسب منطقة السكن. فاطمة علي، أم لأربعة أطفال، تروي مأساتها: "ابني في السعودية يرسل 200 دولار شهرياً، في عدن بالكاد تكفي أسبوعين، بينما في صنعاء تكفي شهراً كاملاً. كيف أفسر لأطفالي أن نفس المبلغ له قيمتان مختلفتان؟" الخبراء يتوقعون موجة نزوح داخلية جديدة نحو المناطق ذات العملة الأقوى، مما سيفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية أكثر.
مع تذبذب أسعار الصرف كل ساعات قليلة كأمواج البحر في العاصفة، يقف اليمنيون أمام مفترق طرق حاسم: إما النجاة بما تبقى من مدخراتهم عبر تحويلها لعملات أجنبية أو الذهب، وإما مواجهة انهيار محقق لقوتهم الشرائية. السؤال المصيري الذي يطرح نفسه بقوة: هل سيصمد الريال اليمني أمام هذا التمزق، أم أننا على أعتاب ولادة عملات منفصلة نهائياً؟ والأهم من ذلك: كيف ستحمي نفسك عندما ينهار ما تبقى من هذا النظام النقدي المتداعي؟