في لحظة مفصلية تجمع بين ذاكرة مأساوية وآمال كروية، يقف كيليان مبابي أمام أمة بأكملها حاملاً على كتفيه أكثر من مجرد شارة القيادة. 130 ضحية، 10 سنوات كاملة، ولاعب واحد فقط من تلك الليلة الدامية ما زال يرتدي قميص فرنسا اليوم. غداً، عندما تنطلق صافرة البداية أمام أوكرانيا، ستحمل كل تمريرة وكل هدف رسالة أقوى من الإرهاب: الحياة تنتصر دائماً.
"غداً سيكون يوماً ذا خصوصية" - بهذه الكلمات البسيطة اختصر مبابي مشاعر أمة بأكملها. الصمت الذي ساد المؤتمر الصحفي عندما تحدث النجم البالغ من العمر 25 عاماً عن الذكرى العاشرة لهجمات باريس كان أبلغ من أي خطاب. لوكاس ديني، الظهير الوحيد المتبقي من تلك المباراة المشؤومة ضد ألمانيا، يتذكر كل تفصيل: "كنت أسمع الانفجارات خارج الملعب، لكننا أكملنا اللعب. كان ذلك أقوى رد على الإرهاب." اليوم، يقول مبابي وهو يرتجف من التأثر: "كنت في موناكو أشاهد المباراة، والداي في بوندي... كان هناك خوف حقيقي."
ليلة 13 نوفمبر 2015 - عندما حاول الإرهاب أن يكسر روح باريس ولم ينجح. مثل رقصة الحياة بعد الموت، تعود العاصمة الفرنسية اليوم أقوى وأكثر تماسكاً. تزامن تاريخ المباراة الحاسمة للتأهل إلى كأس العالم 2026 مع ذكرى الهجمات ليس مجرد صدفة، بل رسالة قدر. د. بيير دوبوا، أخصائي علم النفس الرياضي، يؤكد: "اللعب تحت وطأة الذكريات المؤلمة يتطلب قوة نفسية استثنائية، لكن الرياضة هي أقوى سلاح ضد الخوف." المدرب ديدييه ديشان، الذي شهد تلك الليلة بنفسه، يضيف بصعوبة: "أجد صعوبة في الحديث عن الأمر... هناك واجب التذكر والدعم والتعاطف."
في أحياء باريس، تتردد أصداء تلك المأساة حتى اليوم. ماريا، والدة إحدى الضحايا، تقول بدموع الأمل: "رؤية اللاعبين يتذكرون أطفالنا تمنحنا القوة للمتابعة." كل مواطن فرنسي سيجلس أمام التلفاز غداً وهو يحمل في قلبه ذكرى الـ130 ضحية، مدركاً أن التأهل لكأس العالم سيكون انتصاراً مزدوجاً - رياضياً وإنسانياً. الحضور الجماهيري الكثيف في ملعب بارك دي برانس سيكون أقوى رد على كل من حاول زرع الخوف في قلوب الأبرياء. 130 ضحية - أكثر من سكان قرية صغيرة محيت من الوجود في ليلة واحدة - لكن ذكراهم ستبقى خالدة في كل هدف يسجله منتخب فرنسا.
مباراة واحدة تحمل ذكرى مؤلمة، تكريماً واجباً، وآمال أمة بأكملها. جيل جديد من اللاعبين بقيادة مبابي يحمل على عاتقه مسؤولية الذاكرة والمستقبل معاً. الحياة أقوى من الموت، والأمل أقوى من الخوف، والوحدة أقوى من التطرف. وبينما ترفرف أعلام فرنسا تحت أضواء ملعب بارك دي برانس، يبقى السؤال الأهم معلقاً في سماء باريس: هل ستكون هذه المباراة بداية عهد جديد من الوحدة الوطنية ضد كل أشكال الخوف؟