في تطور صادم يهز الاقتصاد اليمني من جذوره، سجلت أسعار صرف الريال اليمني فارقاً مرعباً قدره 1081 ريال للدولار الواحد بين صنعاء وعدن، في أكبر انقسام عملة يشهده بلد واحد في التاريخ الحديث. بينما يدفع المواطن في عدن 1617 ريال مقابل الدولار، يحصل عليه نظيره في صنعاء بـ 534 ريال فقط - فجوة تزيد عن 300% تشطر اليمن اقتصادياً إلى بلدين منفصلين تماماً.
أحمد العدني، موظف حكومي براتب 50 ألف ريال، يروي مأساته بصوت مختنق: "راتبي الذي كان يعادل 100 دولار، أصبح اليوم لا يشتري سوى 30 دولار من الطعام والدواء لأطفالي الخمسة". في المقابل، يستغل محمد الصرامي، تاجر ذكي من صنعاء، هذه الفروقات الخيالية محققاً أرباحاً تفوق 300% من عمليات تحويل بسيطة بين المدينتين. الأرقام المدمرة تكشف كارثة حقيقية: 285 ريال فارق للريال السعودي الواحد بين الشمال والجنوب.
يحذر الدكتور فؤاد الصالحي، الخبير الاقتصادي اليمني: "ما نشهده ليس مجرد تدهور عادي للعملة، بل انقسام منظم يهدف لتفكيك الوحدة الاقتصادية للبلاد". هذا الانهيار المدوي يذكر بكوارث تاريخية مثل انهيار المارك الألماني عام 1923، لكن الأمر هنا أخطر - فاليمن يعيش انقساماً جغرافياً للعملة الواحدة. السيطرة المختلفة على المؤسسات المصرفية بين مليشيات الحوثي في الشمال والحكومة المعترف بها في الجنوب خلقت اقتصادين منفصلين في بلد واحد.
فاطمة الحضرمية، أم لخمسة أطفال، تقف أمام محل الخبز بعيون دامعة: "أموالي التي ادخرتها لسنوات لا تكفي اليوم لإطعام أطفالي لأسبوع واحد". المشهد يتكرر يومياً في طوابير طويلة أمام محلات الصرافة، حيث تختلط رائحة العرق بصرخات اليأس وأنين المواطنين الذين يشاهدون مدخراتهم تتبخر. الخبراء يتوقعون انهياراً كاملاً خلال أشهر إذا استمر هذا التدهور، مع احتمالية هجرة جماعية وتفكك كامل للنسيج الاجتماعي.
هذا الانقسام المرعب للعملة اليمنية ينذر بكارثة إنسانية واقتصادية لا يمكن تصورها. بينما يسابق الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، على المواطنين اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية مدخراتهم، وعلى المجتمع الدولي التدخل فوراً قبل أن ينهار آخر ما تبقى من الاقتصاد اليمني. السؤال الأخير المرعب: هل سيصحو العالم قبل أن يصبح اليمن أول دولة في التاريخ تنقسم عملتها رسمياً إلى عملتين؟