في تطور صادم هز الشارع اليمني، حُرمت خمس مديريات بالكامل من حق السفر إلى السعودية عبر الطريق الدولي الذي خدمهم عشرات السنين، بقرار مفاجئ من الهيئة العامة للنقل عقب مأساة العرقوب التي أودت بحياة العشرات. مئات الآلاف من المواطنين في لودر ومودية والمحفد والوضيع وجيشان يواجهون الآن كابوساً حقيقياً: العزلة التامة عن شريان الحياة الذي ربطهم بالمملكة لطلب الرزق. الغضب يتصاعد، والمطالب بالعدالة تتعالى، في قضية تكشف عن ظلم مضاعف يعاقب الأبرياء بدلاً من معالجة الخلل.
أم فاطمة من مديرية لودر، التي تعتمد على السفر الشهري للعمل في جدة لإعالة أسرتها، تصف الصدمة: "شعرت كأن الأرض انشقت تحت قدمي. كيف سأصل لعملي الآن؟ التكلفة ستصبح مضاعفة والمسافة أطول بساعات". منصور العلهي، الناشط المحلي، يؤكد أن القرار "مجحف ومتسرع"، مضيفاً بحسرة: "العرقوب بريء من هذا الحادث كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب - الخلل كان في فرامل الحافلة وليس في الطريق". الناجون من الحادث أكدوا أن السبب كان عطلاً تقنياً في المكابح، لكن الهيئة فضلت الحل الأسهل: معاقبة المديريات بأكملها.
الطريق الدولي الذي يربط هذه المديريات بالسعودية ليس مجرد شارع، بل شريان حيوي نبض بالحياة لأكثر من ثلاثة عقود دون حوادث جسيمة. آلاف العمال اليمنيين اعتمدوا عليه لكسب رزقهم، والتجار نقلوا بضائعهم، والأسر سافرت لزيارة الأحبة. د. علي المحفدي، خبير النقل والمواصلات، يحذر: "هذا القرار يعكس عدم فهم للواقع الاقتصادي والجغرافي للمنطقة. البديل عبر الساحل سيضاعف التكلفة ويزيد المدة، مما يعني كارثة اقتصادية للمديريات المتأثرة". المقارنة صارخة: ما كان يستغرق 8 ساعات سيصبح 12 ساعة، وما كان يكلف 100 ريال سيصبح 200 ريال.
العواقب بدأت تظهر فوراً: مئات الرحلات ألغيت، آلاف المسافرين علقوا في محطات الانتظار، وأسعار النقل البديل ارتفعت بنسبة تجاوزت 100%. أبو أحمد، سائق من مديرية جيشان، يروي بمرارة: "40 عاماً وأنا أعمل في هذا الخط، واليوم أصبحت عاطلاً عن العمل بقرار واحد. عائلات بأكملها ستعاني، وشباب سيفقدون فرص عملهم في السعودية". التأثير لا يقتصر على النقل فحسب، بل يمتد للتجارة والخدمات وحتى الخدمات الصحية الطارئة. خبراء الاقتصاد يتوقعون هجرة جماعية من هذه المديريات خلال الأشهر القادمة إذا لم يتم التراجع عن القرار.
النداءات تتعالى الآن من كل صوب لمدراء عموم المديريات الخمس للتحرك الفوري والضغط على الهيئة العامة للنقل. الحل ليس في معاقبة المواطنين الأبرياء، بل في تعزيز معايير الأمان ومعالجة الأسباب الجذرية للحوادث. المواطنون يطالبون بالعدالة، والوقت ينفد أمام تداعيات اقتصادية واجتماعية قد تكون كارثية. السؤال المحوري يبقى معلقاً: هل ستنتصر العدالة وتعود الحقوق لأصحابها، أم ستبقى خمس مديريات بأكملها رهينة قرار متسرع قد يدمر مستقبل مئات الآلاف من الأبرياء؟