الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٥١ مساءً

التعليم أداة التنمية المستدامة

المهندس خالد بحاح
الخميس ، ٠١ يناير ٢٠١٥ الساعة ١٠:٠٠ صباحاً
يحتل التعليم أهمية كبرى في حياة أي أمة تريد أن تتقدم مهما بلغت قوتها ومنعتها في العالم، فهي لا تضمن استمرار تقدمها إلا بالتعليم.. والأمة التي لا تتعلم تجني على نفسها بما تسببه من جهل لنفسها ولمواطنيها، ونستطيع القول دون تردد: إن الإنسان الذي لم ينل حظاً كافياً من التعليم ينقصه الكثير في حياته، فلا يوجد أجمل من أن يكون المجتمع حريصاً على التعليم لأنه بذلك سيمتلك زمام التقدم والتطور نحو الأفضل.
إن نهضة الأمم ورقيها، لم يعد يقتصر في عالم اليوم على التقدم العسكري أو السياسي على أهميتهما الكبيرة، بل يشمل رأس المال البشري الذي يمتلك القدرة على التطوير والتحديث والإبداع الذي يكتسبه عبر مؤسسات تعليم كفؤة ومتنوعة تشمل المدارس والجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحوث.

إن التعليم حق من حقوق الإنسان، تتفق عليه المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والتي تزيد بأن التعليم وسيلة لا غنى عنها لحصول الإنسان على حقوقه الأخرى، فالتعليم حق تمكيني يمكّن الإنسان من النهوض بنفسه والخروج من دائرة الفقر والتخلف وامتلاك وسيلة فعالة للمشاركة في مجتمعه.. وللتعليم أيضاً دور حيوي في تمكين المرأة في الحياة، وفي حماية الأطفال من الاستغلال الذي ينطوي على مخاطر، وفي تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، وفي حماية البيئة، فضلاً عن الحد من التضخم السكاني.

ويُعترف بالتعليم، بشكل متزايد، أنه واحد من أفضل الاستثمارات التي يمكن للدول أن تجريها. ولقد تبين أن هناك علاقة بين الاستثمار في التعليم من ناحية الزمن والنوعية، وبين العائد من هذا الاستثمار.. كما أن التعليم يؤثر بصورة غير مباشرة على الإنتاجية من خلال تحسين صحة الناس، فلقد أثبتت الدراسات أن الجهل يؤثر تأثيراً فعالًا في صحة الفرد والجماعة.. والأنكأ من ذلك أنه غالباً ما يعيش غير المتعلمين في بيئة تتصف بأنها عنيفة، يعاني أفرادها من مشكلات صحية، ويغلب عليها الفساد واليأس، نتيجة عدم تمكنهم من الحصول على فرصة عمل مناسبة.
حقاً إن العلم نور والجهل ظلام، فبالعلم والمعرفة يصبح الفرد قادراً على إنارة دربه ودروب مجتمعه، والتواصل مع الآخرين بفهم وثقة، ومحاوراً ومناقشاً في المجالس والندوات، ومخترعاً وصانعاً وتاجراً أميناً وكاتباً مقتدراً في الصحف والمجلات.. وايضاً يصبح قادراً على الاكتشاف والتحليل واستخلاص النتائج ووضع الحلول المناسبة لما يواجهه من تحديات في حياته العامة والمهنية.
إننا بعلمنا وجدنا واجتهادنا وإيماننا وتقوانا نستطيع أن نبني يمننا الحبيب وتحسين مستوى معيشتنا جميعاً، لنعيش حياة حرة كريمة يسودها الأمن والاستقرار وراحة البال.. ولكن ينبغي أن ندرك جميعاً أن هذا يتطلب منّا العمل بجد لتطوير التعليم، وحماية حقوق المواطنين في التعليم، ومساندة المحتاجين منهم، وتعزيز التنمية المتوازنة للتعليم بين مناطق البلاد كافة، حضرها وريفها، وبين البنين والبنات.. وهو ما يحتم علينا، كلٌ من موقعه، تعبئة جهود المجتمع بأسره لدعم تطوير التعليم في بلادنا.

إن كل ما سبق يتطلب منا تحقيق الأهداف الآتية لتعزيز تطوير التعليم:
- أولاً: التعامل مع قضية التعليم باعتبارها قضية وطنية استراتيجية ذات أولوية قصوى في خطط التنمية الشاملة في البلاد، مما يستلزم حشد الموارد المالية الكافية لتمويل التعليم وتنمية الموارد البشرية، كما يجب تحويل مزيد من الموارد الى المناطق النائية والمتضررة من الأحداث الأخيرة في البلاد.

- ثانياً: نشر التعليم في جميع أنحاء البلاد، والسعي بجد لتوفير نظام تعليمي جيد لجميع المواطنين.
- ثالثاً: توجيه قضية التعليم للإنسان (وهو هنا الطالب) مما يقتضي تطبيق أساليب التعليم الجيد، وشحذ إحساس الطلبة بالمسؤولية، وتنمية روح الابتكار لديهم، وتمكينهم من حل المشكلات. وهذا لن يتأتى إلا ببذل جهود كبيرة لإعداد وتأهيل معلمين يتصفون بالحماسة، والكفاءة العالية، والقيم الراقية.
- رابعاً: الاهتمام بتعليم العلوم في جميع مراحل وأنواع التعليم، ووضع سياسات تؤسس لثقافة جديدة تدعم التعليم الفني والمهني بما يضمن الاستفادة من طاقات الشباب في بناء وطنهم.

- خامساً: إصلاح إدارة التعليم، والحد من البيروقراطية، كي تصبح المدارس أكثر ديمقراطية. وفي هذا السياق، يجب توسيع الباب أمام القطاع الخاص للمشاركة في إدارة المؤسسات التعليمية.
- سادساً: إشراك القطاع الخاص الوطني في دعم ومساندة التعليم، لما لذلك من أثر إيجابي على مؤسساتهم وعلى المجتمع ككل.
- سابعاً: تعزيز مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم، وضمان عدم تسرب المتعلمين من التعليم لأسباب اقتصادية أو اجتماعية.
- ثامناً: العمل على تجويد التعليم لضمان تنشئة المزيد من المواهب.. وهذا يقتضي مشاركة جميع المؤسسات الاجتماعية في تطوير التعليم، كما يقتضي العمل على إصلاح المناهج الدراسية، حتى يتسنى للطلبة النمو بطريقة شاملة.

لقد حققت بلادنا تقدماً ملموساً فيما يتعلق بتعميم التعليم وانتشاره خلال السنوات الماضية، حيث شهد التعليم الأساسي نمواً بمعدل زيادة كلية بلغت نحو (17,9 %) وبمعدل نمو سنوي وصل إلى نحو (3,4 %)، وشهد التعليم الثانوي العام نمواً بمتوسط قدره 4,29 %؛ وشهد التعليم العالي توسعاً كبيراً (كمي أكثر منه نوعي) في عدد مؤسساته والتي بلغت في 2011/2012 حوالي 54 جامعة وكلية عليا منها 16 جامعة حكومية (10 منها عاملة، 6 تحت التأسيس)، و 38 جامعة وكلية خاصة.. لكن يبقى التحدي الأكبر لا سيما في منطقتنا التي ما زالت تعاني من اضطرابات سياسية من أجل تحقيق السلام والرخاء لمواطنينا وضمان مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم، التركيز على نوعية التعليم لإكساب الطلبة مهارات اقتصاد المعرفة التي تشمل القدرة على التكيف مع ظروف الحياة المختلفة والمعقدة، واكتساب مهارات العمل ضمن فريق، والقدرة على التفكير الناقد، والإصرار والتفاؤل.. وهذا لن يتحقق إلا بمزيد من التعليم، والتعليم الجيد.

في الختام، أوجه تحية إجلال وإكبار لكل تربوي، ومربٍ، ومعلم وكل متعلم وطالب علم، تحية لكل يمني صبور ومجتهد ومثابر يحب العلم والمعرفة، تحية لكل أب وأم يرسل أبناءه وبناته إلى المدارس والمعاهد والجامعات كل صباح ، تحية لكل من يساهم في تنمية وتطوير بلده وخدمة شعبه وتحية لكل أولئك الذين يقدمون عملاً دؤوباً ومتواصلاً دون كلل أو ملل لإعداد رأس مالنا البشري – الإنسان اليمني.

* ريس الوزراء اليمني

عن الجمهورية نت