السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٤٢ مساءً

اليمني المظلوم بنفسه وبسلطته !!

يحي محمد القحطاني
الثلاثاء ، ٠٢ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ١٢:٤٠ مساءً

اليمن السعيد لم يعد كذلك اليوم، بل صار تعيسا كئيباً، وكذلك الشعب اليمني المظلوم بنفسه، وبسلطته قبل أن يظلمه أعداؤه، وجد نفسه ضحية تاريخية لسلطة الفساد والفوضى، وعدم المحاسبة، وثقافة التقارير الزائفة "وكله تمام يافندم" من قبل مسئولين اعتادوا العيش لسنوات، طويلة على رأس هرم السلطة، وقد بلغوا من العمر عتيا، إنجازهم الوحيد التأمر على وحدة اليمنيين، وثقافتهم إقليم شمالي، وإقليم جنوبي، أو انفصال، وفك ارتباط، فحولوا أعيادنا الوطنية إلى إحراق، ونهب وتشريد للمواطن اليمني، وتفننوا بإذلاله ومسح كرامته بالأرض، بل واغتصاب حقوقه معيشياً، وصحياً وتعليمياً وأمنياً، وانتشار الفقر في المجتمع اليمني، وزيادة البطالة بين أصحاب الشّهادات العليا وغيرهم، وتدهور المقدرة الشرائيّة، وانقراض الطّبقة الوسطى، والإفلاس الشبه كلي للخزينة العامة للدولة، والأزمة الاقتصادية الطاحنة، وغياب العدالة الاجتماعية والمساواة عنه، وانفلات أمني، وفشل عسكري، ومليشيات حزبية وقبلية مسلحة، فأصبح يعيش في محنة غير طبيعية وغير متوقعة، جعلت منه مجتمعاً مقهوراً ومظلوماً ومتخلفاً، يلاحقه الخوف والإرهاب والغلاء، واستشراء فساد مالي وإداري وفساد سياسي، وانتشار الجريمة والرّشوة، حتى الناجحين في أعمالهم من أصحاب الطموح، أصيبوا بالفشل، ذلك أنه في اليمن لأفرق أن تكون، ناجحاً في عملك أو فاشلاً، بل يمكن أن تحصل على ما تريد أن كنت فاشلاً، بعكس الناجح الذي تغتاله الأعباء، بسبب نجاحه ليتحول لفاشل..!!

فوصلنا إلى شعورنا باليأس من إيجاد حلول، للحاضر والتطلع للمستقبل، بالرغم أن اليمن بلد التنوُّع الجغرافي والمناخي، ومئات الجزر البحرية والإطلالات الإستراتيجية، على المنافذ البحرية ومضيق باب المندب، يمن السياحة والزراعة والمخزون السمكي، المتنوع الذي لا ينضب أبداً، يمن الموروث الثقافي والإنساني، يمن المخزون الكبير للثروة البشرية، يمن المعادن والغاز والبترول والأحجار الكريمة، هذه الإمكانات المادية والبشرية المتوافرة لدى اليمنيين، قادرة على بناء الدولة اليمنية الحديثة..دولة النظام والقانون..دولة الحرية والعدالة والمساواة.. في الحقوق والواجبات، والتوزيع العادل للثروة والسلطة، التي تحفظ أمن اليمن ووحدته واستقراره.

لكن كيف ذلك في ظل إصرار وزرائنا ونوابنا، وسفرائنا وقادة جيوشنا، وقادة أحزابنا ومعظم مسئولينا وتجارنا، الذين يتربعون على كراسي السلطة، ويستمدون شرعيتهم من الحروب والصراعات والإرهاب، على سرقة أموال الشعب وثرواته، ثم يقوموا بتهريبها واستثمارها، في الخليج ومصر وتركيا، وفي أمريكا وكندا وإفريقيا وأوروبا والصين، بعد أن أخذوا جنسيات تلك الدول لهم ولنسائهم وأولادهم، وتركونا تحت خط الفقر، لأننا لم نتعلم في المنزل، والمدرسة والشارع والإعلام، كيف نتعامل مع حقوقنا المسلوبة، سواءً أكانت صغيرة أم كبيرة، بل نتساهل كثيراً بحقوقنا، فقط لنهرب من وجع الرأس، والدخول في متاهات سين وجيم، وهو ما جعلنا نضيّع الكثير من حقوقنا.

حتى ثورة التغيير، والتي أردناها ثورة فكر وتخطيط، تصنع توازناً في المجتمع، أفرزت بقدرة قادر، مشايخ وفقهاء، من الأحزاب والجماعات الدينية، جعلونا نعيش مغيبين بالخرافات، فيفتون ويأمرون وينهون، ويحللون ويحرمون مدعيين، أنهم يستلهمونها من الخالق، أو يستنبطونها من الأحكام القرآنية، فاستوردوا المذاهب واستدعوا المصطلحات الطائفية "شوافع وزيود"،"إسماعيليين وصوفيين"،"شيعة وسنة"،"أنصار الله وأنصار الشريعة" "شماليين وجنوبيين"،"الاختلاف على الضم والسربلة في الصلاة"،" تقديم القدم اليمنى أم اليسرى عند دخول الحمام"،"حيا على خير العمل في الأذان"،"كلمة أمين بعد آية ولا الضالين".. فنشروا التفرقة والفتن التي، تأكل الأخضر واليابس، وتدمر البلاد والعباد والقدرات، وتشعل الأحقاد والضغائن في القلوب والنفوس، في رؤوس بعضنا البعض، واليمني يعاني من أداوت الماضي، ابتداءً من الأسرة إلى قيادات الدولة، فهو مسكين جداً لا يعرف متى يخرج في مظاهرة ولا حتى في مسيرة، كونه في الأصل لا يعرف الفرق بينهما، ولا يهم أن يرفع شعاراً يسقط النظام، أو ينهض النظام أو يرحل النظام.

اليمني مسكين جداً، لأنه يكره الفساد، لكن لا يمانع أن يأكل منه قليلاً. ويحقد على المرتشي، لكن لا يهمه أن يكون واسطة خير، ويلعنّ الوساخة، لكن لا يعنيه أن يرمي الزبالة في الشارع، ويشتمّ النظام لكن لا يتأخر أبدا، عن موعد القبض آخر الشهر، ويكره العمل ويعشق الإجازات، واليمنيين يجمعهم شيء واحد هي الفوضى، ويفرقهم شيء واحد هو النظام...!!