الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٣٠ مساءً

بيان مجلس الأمن بشأن اليمن : قراءة في الأثر والمضمون!!!

فيصل المجيدي
الاثنين ، ٠١ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٧:٠٦ مساءً
الحديث عن بيان مجلس الأمن يدفع إلى الذاكرة العبارة الشهيرة للحكيم غوتاما بوذا بأنَّ "السلام يأتي من الداخل، فلا تبحث عنه في الخارج.. فلن تُعاقب بسبب غضبك، بل غضبك هو العقاب لك.. وأعلم أنّه لا يمكن أن يستمر إخفاء ثلاثة أشياء لفترة طويلة: الشمس، والقمر، والحقيقة"، هي حقيقة إذاً السلام يأتي من الداخل.. الداخل الأصغر الروح: والداخل الأكبر الوطن.. السلام الروحي والوطني عبر المواطنة المتساوية والعيش المشترك والحوار، وبدونهما- الروح والوطن-فلا تبحث عن السلام فالخارج ليس بيده إلا الحرب كحل جذري وأممي لصنع السلام.

البيان الرئاسي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (S/PRST/2014/18 ) بشأن حملة الحوثي لإسقاط الحكومة وتعطيل عملية التحول في اليمن.. والذي صدر الجمعة 29/8/ 2014 بعد نقاشات استمرت 13 دقيقة من الساعة 11:50 صباحاً وحتى الساعة 12:03 ظهراً كنوع من التأكيد على توافق دولي وفهم مشترك لحقيقة مطالب الحركة الحوثية.

ومن بين المواضيع التي أثيرت حول البيان مدى تمتعه بالقوة الكافية لإحداث أثر لاحق، أم أنه لا يرقى الى مستوى "قرار" أممي، وتجدر الإشارة الى أن "البيان الرئاسي هو بيان لكل أعضاء مجلس الأمن الـ 15 وليس كما قد يوحي به المصطلح، صادر من رئيسه" ويتم إصداره وفق آليات التصويت المنصوص عليها في المادة (27) الفقرات (2، 3) من ميثاق الأمم المتحدة، والبيانات الرئاسية لا تصدر إلا في جلسة رسمية وتكون معبرة عن إجماع مجلس الأمن. وبحسب تصريح الرئيس الدوري لمجلس الأمن مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة مارك لايل غرانت في مؤتمر صحفي عقده في نيويورك عقب جلسة المشاورات الخاصة باليمن فقد: "صوت كل أعضاء مجلس الأمن وبالإجماع على البيان الرئاسي الذي يؤكد الوقوف إلى جانب اليمن واتفقوا على ما تضمنه البيان من رسائل قوية موجهة للمعرقلين."

شرعية بيانات وقرارات المجلس
وبالرغم من تسبب البيان بعدد من ردود الأفعال المؤيدة والمعارضة والمحبطة والمتفائلة والمتشككة، لكن القاسم المشترك بين الجميع إقرارهم الصريح أو الضمني بشرعية قرارات مجلس الأمن الدولي، مع اختلافهم في جدواها أو قدرتها على التأثير، وللتدليل على ذلك نورد مواقف الأطراف المتأثر بهذه البيانات.

فهذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها مجلس الأمن بياناً بخصوص اليمن في السنوات الأخيرة، فقد أصدر في 15 فبراير 2013 بياناً رئاسياً برقم (S/PRST/2013/3)، وكان مما تضمنه:

"ويعرب مجلس الأمن عن قلقه من الأنباء التي تفيد بتدخل أشخاص في اليمن يمثلون النظام السابق، والمعارضة السابقة، وأشخاص آخرين لا يتقيدون بالمبادئ التوجيهية لاتفاق آلية تنفيذ عملية الانتقال، بمن فيهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونائب الرئيس السابق علي سالم البيض. ويكرر مجلس الأمن تأكيد استعداده للنظر في اتخاذ تدابير أخرى، بما في ذلك في إطار المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، في حال استمرار الأعمال الرامية إلى تقويض حكومة الوحدة الوطنية والانتقال السياسي. ويعرب مجلس الأمن عن قلقه من التقارير الواردة عن نقل أموال وأسلحة إلى اليمن من الخارج لغرض تقويض العملية الانتقالية".

كانت ردة فعل المعنيين بالقرار كالتالي:

علي عبدالله صالح، صرح بأنَّ "البيان لا يغير في الأمر شيء، حيث أن اليمن فيها توازنات دقيقة، والجزء الأساسي في البيان انه يحرض الشعب اليمني فقط على مجلس الأمن الدولي"، أما المتحدث باسمه أحمد الصوفي فقد وصف البيان بأنَّه "طائش" ويعتمد على معلومات مضللة وخاطئة.

أما علي سالم البيض فقد أصدر مكتبة بياناً أكد "ان الإشارة الواردة الى الرئيس علي سالم البيض في بيان مجلس الأمن هي إشارة سياسية وليس قانونية، واستهداف سياسي واضح لقضية شعب الجنوب التي يمثلها الرئيس علي سالم البيض منذ 21 مايو 1994".

أما فيما يتعلق بالبيان الرئاسي الذي نحن بصدد الحديث حوله فقد رحبت به الحكومة اليمنية واعتبرته تعبيراً عن الإرادة الراسخة والثابتة للمجتمع الدولي، وحرصه الشديد على دعم وإنجاح عملية التسوية السياسية في اليمن، كما أيدت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول ما جاء في البيان فيما رد مجلس "أنصار الله" السياسي عليه ببيان استهله بـ "مجدداً يثبت مجلس الأمن الدولي وما تصدر عنه من بيانات وقرارات غير واقعية لمجريات الأحداث بعد قرابة سبعين عاماً من الفشل المتواصل في أداء مهمته" معتبراً السبب في ذلك يعود إلى ما اعتبره تبعية المجلس" لبعض الدول المستكبرة الطامعة في خيرات وثروات الآخرين".

وبالرغم من اللهجة الندية الواردة في بيان "أنصار الله" إلا أن بيانهم تضمن فقرة ئؤكد معرفتهم بخطورة بيان مجلس الأمن، وجاء فيها: "نتمنى أن يدرك مجلس الأمن الدولي أن ما يجري في اليمن حالياً هي ثورة شعبية سلمية ضد حكومة فساد وفقر وإفقار، وتوصيفها بأعمال تهدد السلم والأمن والاستقرار في اليمن توصيف غير دقيق، ومجافٍ للحقيقة جملة وتفصيلاً".

لكن المطلع على الرد الحوثي يجد تراجعاً في خطابه عن مقولة إسقاط الجرعة الى إعادة النظر فيها بقوله في بيانه الذي أعقب بيان مجلس الأمن "وعليه فإننا في المجلس السياسي لأنصار الله نؤكد على التالي : أولاً: إسقاط الحكومة وإعادة النظر في قرار رفع الأسعار عن المشتقات النفطية والبدء في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني هي مطالب للشعب اليمني عبر عنها بالاحتجاجات والمسيرات والاعتصامات السلمية في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، وهو ماضٍ فيها حتى يطمئن على مستقبله ومستقبل أجياله".

كما ان قيام عبدالملك الحوثي بتغيير ابو علي الحاكم القائد الميداني للحوثيين يعني إداراكه الواضح ان الرجل أصبح محل اتهام دولي قد يعرض الحركة بأكملها للعقوبات الدولية مما يوحي باستشعاره خطورة الموقف بعد بيان مجلس الأمن.

البيان والقرار
يذكر ميثاق الأمم المتحدة في ثناياه كلمة (DECISIONS) مترجماً لها في النسخة العربية بـ ـ"القرارات" وعلى سبيل المثال تنص المادة 25 من الميثاق على: "يتعهد أعضاء“الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق" وفي المادة 27 المتعلقة بالتصويت ترد كلمة "قرارات" DECISIONS في الفقرتين الثانية والثالثة، كما ترد الكلمة في المادة 41 من الفصل السابع "لمجلس الأمن أن يقرِّر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته" وكذلك في المادتين 44 و48 من الفصل السابع أيضاً.
إلا ان مجلس الأمن في واقع الممارسة- التطبيق- يتعامل مع القرارات من خلال نوعين من المسميات: قرارات ذات طابع حل RESOLUTION والبيانات الرئاسية والتي يطلق عليها الاختصار PRST، ولذا نجد تصنيف S/Res والتي تعني قراراً صادراً عن مجلس الأمن، وتصنيف S/PRST والتي تعني بيان رئيس مجلس الأمن باسم المجلس.

القرار مثل البيان يصدر في جلسة رسمية ويتلوه رئيس المجلس ويصنف ويترجم إلى اللغات الرسمية للمجلس، والفارق الوحيد بينهما أن البيان لا يخضع للتصويت أبداً مثل القرار الذي يجب الموافقة عليه من قبل تسعة على الأقل من أعضاء مجلس الأمن، من دون فيتو من أحد الأعضاء الدائمين الخمسة، وإنما يحتاج - البيان- إلى الإجماع عليه كشرط أساسي لإصداره، وبالتالي فإنه وثيقة رسمية من وثائق الأمم المتحدة.

وخلاصة ذلك أن القرار يظل له الكلمة العليا والبيان أقل من ذلك، إلا أن استناده الى قرار مجلس الأمن رقم 2140 يجعل له مخالب لإنفاذه باعتباره من الإجراءات اللاحقة للقرار سالف الذكر.

بين بيانين
لا يختلف بيان مجلس الأمن الحالي عن البيان الصادر في حق صالح والبيض من حيث القوة والآثار المترتبة عليه، وإن كان البيان المتعلق بصالح والبيض هدد صراحة باتخاذ تدابير تحت المادة 40 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن البيان المتعلق بالحوثي أشار إلى "القرار 2140 (للعام 2014) الذي اعتمد تدابير للعقوبات ضد الأفراد أو الكيانات التي تنخرط او توفر الدعم للأعمال التي تهدد سلم وأمن واستقرار اليمن"، وأشار إلى دعم المجلس "جهود لجنة الخبراء في جمع وتحليل المعلومات بُغية اتخاذ التدابير اللازمة، خاصة فيما يخص مسألة تقويض المرحلة الانتقالية السياسية"، اضافة الى ان القرار طلب من الحوثيين والحراك عدم استخدام العنف.. الخ، وفي نظري أن البيان المتعلق بصالح أقل قوة لعدد من الأسباب:

أولها: أن البيان (صالح- البيض)صدر قبل اعتبار مجلس الأمن أنَّ "الحالة في اليمن تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين في المنطقة، وإذ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة" والمعبر عنها في القرار رقم 2140 الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 7119، المعقودة في 26 فبراير 2014، وبالتالي كانت الإشارة الى المادة 40 ضرورية، أما البيان المتعلق بالحوثي فيستند قانونيا على كل القرارات المتعلقة باليمن بمافيها القرار 2140 (للعام 2014) تحت الفصل السابع.
ثانيها: أن البيان (صالح- البيض) لم يشمل تفاصيل حول الأعمال التي تشكل تهديداً لسلم وامن واستقرار اليمن، بالشكل الذي اشتمل عليه البيان المتعلق بالحوثي حيث سرد بشكل مفصل قضايا يعتبرها المجتمع منفرداً كافية لاتخاذ التدابير الرادعة اتكاء على القرار 2140 تحت الفصل السابع (يتم العودة للمواد باعتبار ان القرار صدر تحت المواد 39 – 51 وليس فقط المادة 40).

ثالثها: أن الأعمال التي قام بها الحوثي اعتبرها البيان "أفعالاً" بينما ما يتعلق بصالح- البيض فهي مجرد "استفزازات" تتعلق بعدم التقيد "بالمبادئ التوجيهية لاتفاق آلية تنفيذ عملية الانتقال" أي أنها أشبه بالنوايا .

في ثنايا البيان والقرار

ونخلص مما سبق الى ان اهمية البيان تنبع من كونه جاء عقب صدور قرار مجلس الأمن في 26 فبراير 2014 واتكأ عليه، وبالتالي فإنه وان حدد مطالب واضحة وصريحة ترك الباب مشرعاً للحل السياسي، لكن مع محاصرة الحوثي من خلال اطلاقه ليد لجنتي العقوبات والخبراء في المجلس لاتخاذ الاجراءات الضرورية لمعاقبة من يعيقون المرحلة، إذ نص البيان على: "إذ يشير مجلس الأمن إلى القرار 2140 (للعام 2014) الذي اعتمد تدابير للعقوبات ضد الأفراد أو الكيانات التي تنخرط او توفر الدعم للأعمال التي تهدد سلم وأمن واستقرار اليمن. إذ يدعم مجلس الأمن جهود لجنة الخبراء في جمع وتحليل المعلومات بُغية اتخاذ التدابير اللازمة، خاصة فيما يخص مسألة تقويض المرحلة الانتقالية السياسية".

لكن هناك ثمة أمراً مهماً لم يسبق ان حصل من قبل في الحالة اليمنية وهو النص وبصريح العبارة الى جهتين رئيستين تعتبران - من وجهة نظر المجتمع الدولي- مهددتين للسلم الاجتماعي، وهما جماعتا الحوثي والقاعدة، غير انه أفرد هذه المرة وبنصوص صريحة أكثر من نصف البيان لجماعة الحوثي، وحدد طلبات دقيقة يجب عليها تنفيذها مع مراعاة ان البيان تعاطى مع جماعة الحوثي باعتبارها جماعة ومليشيا مسلحة، ولم يتعامل معها بوصفها جماعة سياسية ولهذا لم يخاطبها بالاسم الذي أعلنته لنفسها عند دخولها الجانب السياسي (أنصار الله) الذي اختارته في مؤتمر الحوار، وفي ذلك إشارة هامة الى أن الجماعة فشلت في تسويق نفسها سياسياً.

كما ان هناك نقطة جوهرية متمثلة في ذكر البيان للجماعة مقترناً بزعيمها عبدالملك الحوثي (بالاسم)، واعتقد ان ذلك مؤشر الى ان بإمكان المجلس - اما بقرار منفرد او عبر لجنة العقوبات- التعاطي مع زعيم الحركة باعتباره معرقلاً للجانب السياسي للانتقال السلمي للسلطة..كما فعلت مع قائده الميداني ابو على الحاكم الذي ادانه البيان بالاسم باعتباره هو من اقتحم عمران بمليشاته.

الأمر الأكثر أهمية ان البيان حدد وبلغة قوية مطالب المجتمع الدولي الثلاثة من الحوثي الذي يجب عليه تنفيذها وهي حسب البيان:

أ. سحب قواتهم من عمران وإعادتها إلى سيطرة الحكومة اليمنية.

ب. وقف كافة الأعمال العدائية المسلحة ضد الحكومة اليمنية في الجوف.

ت. إزالة كافة المخيمات وتفكيك نقاط التفتيش التي أقاموها في صنعاء وضواحيها.

والطلب المتعلق بوقف "كافة الاعمال العدائية المسلحة ضد الحكومة اليمنية في الجوف" يؤكد عدم قدرة الحوثي على تسويق نفسه كمحارب للإرهاب الذي يصر عليه حتى في معرض بيان رده على بيان مجلس الأمن.
والمطالب الثلاثة هي ذاتها التي طالب بها الرئيس هادي في رسالته الموجهة للحوثي في 26 أغسطس 2014، وذلك مؤشر قوي على دعم المجتمع الدولي للرئيس هادي في هذه المواجهة.

وأخيراً:
اعتقد ان صدور هذا البيان- أياً كان الأثر القانوني له- رسالة قوية ستجبر الحوثي على اعادة استراتيجيته في الصراع لكنه لن يكون بكل تأكيد منهياً لطموح الجماعة، فهو سيكون مجرد تأجيل للصراع لا أكثر، إن أدرك أصول اللعبة السياسية.

* رئيس مركز إسناد لاستقلال القضاء وسيادة القانون.