الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٨ مساءً

عن حاجة الصحفي للطب النفسي

سامي نعمان
الاربعاء ، ٢٧ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ٠١:٠٠ مساءً
هل تظنون أن الصحفيين والكتاب وخاصة الملتزمين منهم بخير. ؟!

قطعاً لا.


الصحفي، معني بالتعامل مع كل مشاكل وأمراض المجتمع: القتل والجريمة بشتى دوافعها، التغيرات السياسية، الحروب، التفجيرات، الثأرات، الأحزاب، القاعدة، الحوثي، داعش، الحوادث، الاغتصاب، السرقة وحوادث السير والتهريب والفساد والعبث والفهلوة والارهاب والاقصاء، وشتى أنواع المظالم وصولاً إلىالخلافات الأسرية أحياناً، وقبل كل ذلك عمل مضن ومجهود فكري بأجور ضحلة.


خارجاً من التعامل مع نظام علي عبدالله صالح ومتصلاً به إلى الآن، وداخلاً مع نظام عبدربه منصور هادي وحكومة باسندوة، وهذه لوحدها كفيلة بتدمير معنويات الناس فما بالكم بالصحفيين.


يتأثر الصحفي (الملتزم) أكثر من القارئ، فهو يتابع تفاصيل التفاصيل، ويتوتورط في المتابعة، وإن لم يتماسك فقد يتعرض للانهيار نفسياً او قيمياً.



حين يتناول الصحفي قضية لفترة طويلة، ويناقشها بالتفصيل، وهو يدرك أهميتها وخطورتها عقلا ومنطقاً وأدلة، ثم لا يجد تجاوباً ايجابياً مع ما ينشر، فإن لم يدرك حينها أنه صحفي، يقوم بوظيفة المخبر لكن ليس لجهاز دولة ولا لشيخ ولا نافذ، ولا لطرف خارجي، بل هو مخبر للرأي العام، بمن فيه المعنيين في السلطات والمعنيين في القضايا، وهو ليس معنياً بدرجة أساسية بتخاذله.



لكن حين يأخذ الصحفي المسألة بما هو ابعد من تلك المهمة، الإخبار بالحقيقة والمعلومة، في ظل نخبة حكم وسياسة ومجتمع لا تعرف غالباً قيمة وأهمية الصحافة سوى أنه "تشهير"، وابتزاز، وبحث عن الفضائح والبعاسس، وفي ظل بلد منقسم، تتجاذبه الكثير من الأزمات، وااصطفافات وتحيزات طائفية، مناطقية، بل وحتى عصبية سياسية، فإنه يكون بذلك قد وصل إلى حالة نفسية تقتضي المراجعة فعلاً مثلها مثل أي مرض آخر.


وبكل تأكيد يضاعف القات من حالة التوتر والقلق، خصوصاً مع متابعة أخبار بلد يوشك على الانهيار في حروب أهلية ذات أبعاد طائفية.


وفي ظل حالة الاستقطاب الحادة، عندما يفقد الكاتب والصحفي قدرته على التوازن وادراك حدود مهنته، يصبح أكثر عرضة لكل المؤثرات: الاستقطابات، الاضطراب النفسي، التناقضات، التوتر.


قبل يومين كنت اناقش هذا الأمر مع الصديق العزيز/ فارع المسلمي (شفاه الله وحفظه ورعاه)، الذي يتعافى من مرضه حالياً، فأخبرني أن صديقه وهو طبيب عربي نصحه بترك الصحافة، فهي أضمن له وأكثر مساعدة في تجنب أسباب كثير من الأمراض.


أصدقكم القول، لو كنا في بلد لا ينظر للطب النفسي -وهو طب راقٍ ومحترم يحتاج إليه اكثر الناس- باعتباره "عيباً" وتهمة، لكان الصحفيون أكثرهم اقبالا عليه، كما الأطباء والباحثين والقضاة وكثير من المرتبطين بمعاناة الناس بمختلف صورها.. في الوسط الصحفي اصبحت شتيمة يتنابز بها البعض، حين يختلفون، انت مريض نفسياً، وهي تعريض معيب لا يختلف عن التعريض بأي مرض آخر لولا أن الاضطراب النفسي يصبح مشكلة في عمل الصحفي والكاتب، كما السياسي والمسؤول ورب الأسرة.


هذا النوع من الطب محل اهتمام العالم، واقبال الناس في البلدان المتحضرة، وهو متوفر بسهولة، أما بالنسبة لليمن فيوجد فيها طبيان نفسيان لكل مليون شخص، وثقافة العيب وعدم الاهتمام والتوعية بأهمية الطب النفسي ضاعف عدد المجانين والمنتحرين والمضطربين في هذه البلاد.


وفي ظل هذه الأحداث المتسارعة، أظنني وكثير من زملائي، في أمس الحاجة للطب النفسي، خصوصاً في مثل هذه الاوضاع والظروف التي ان لم تحاول فيها تلمس أمراضك وهواجسك، فستموت أو تفقد عقلك من كثرة التوتر والقلق والاضطراب.


من صفحة الكاتب على "الفيس بوك"