الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٠٤ صباحاً

هستيريا العنف السياسي في الربيع العربي!!!

د . عبد الملك الضرعي
الاثنين ، ٣١ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ٠٣:١٥ مساءً
إن المتابع لتطورات الأحداث التي يمر بها الوطن العربي في الوقت الراهن وبالذات في ليبيا وسوريا واليمن يجد أن دوامة غير مبررة من العنف يتعرض لها أبناء تلك الدول بصورة غير مسبوقة ، ذلك العنف بضحاياه وخسائره المادية والبشرية يأخذ الطابع الهستيري القائم على الإنتقام من كل من هو معارض وتغيب فيه لغة الحوار والقبول بالآخر.

وقبل تناول إشكاليات ذلك العنف يمكننا أولاً التطرق إلى مفهوم الهستيريا والعنف ، فالهستيريا(الهراع):مرض نفسي عصابي ، ويرجع لعدد من الأسباب منهاالصراعات النفسية الشديدة والإحباط المستمر والشعور بخيبة الأمل وعدم تحقيق الأهداف ومشاعر الحيرة والتعرض لصدمة عنيفة تساعد على ظهور المرض ، ومن أعراضه المبالغة في ردود الأفعال ، ويكون بصورة فردية أو جماعية ، ويكون في الغالب مكتسب نتيجة ظغوط نفسية لايستطيع الأفراد تحملها،أما العنف فهوكل سلوك يتضمن معاني الشدة والقسوة ، ومنه يأتي العنف السياسي الذي يتسم بأنه عنف متعلق بالسلطة ورموزها وهو عنف متبادل بالضرورة ، ويتصف العنف السياسي أنه جمعي وإن كان يقوم به فرد فهوممثل للجماعة، وهو عنف معلن من قبل الأطراف المتصارعة ويتصف بالإيثاروالرمزية ، والإشكالية في العنف السياسي يتمثل بتحول ردة الفعل إلى هستيريا وانتقام لايفرق الممارس للعنف بين الخصم وغير الخصم فهو يستخدم سياسة الأرض المحروقة ومن ثم يمكن أن يصبح الخصم والموالي أهدافاً لذلك العنف.

في الأحداث الراهنة بالعالم العربي التي يطلق عليها البعض الربيع العربي مثلت ردات فعل السلطات الحاكمة حالة هستيرية غير مسبوقة ، ففي تونس استخدمت الشرطة بشكل مفرط العنف المبالغ ضد المعارضين منذ عقود وبمختلف أدوات التعذيب أو النفي القسري لبعض القيادات السياسية ، ثم تم التعامل بوحشية مع المتظاهرين السلميين بعد اندلاع ثورة محمد البوعزيزي ، ولكن النتيجة أن هستيريا العنف لم توقف الشعب التونسي عن تحقيق هدفه في إسقاط السلطة القمعية ، وهرب زين العابدين بن علي في ليلية ظلماء يبحث عن مكان يؤويه ، حتى حل به المقام في السعودية ، أما النموذج المصري فقد كانت هستيريا العنف أشد وطأة من النموذج التونسي وخسر الشعب المصري في تلك المواجهة أضعاف ما خسره الشعب التونسي من الخسائر المادية والبشرية ، وكان استخدام البلاطجة وقسوة الشرطة معلماً بارزاً في تلك المواجهة ، ولكن إنتصر الشعب المصري ، وأودع مبارك السجن مع أولاده وأركان سلطته ، وأكتوى مبارك بنار ما كان يقوم به مع خصومة في أوج قوته ، وهو المحاكمات والاعتقالات ، حيث ازدحمت السجون المصرية بعشرات الألاف من المعارضين ، جلهم يقبع في السجون منذ عقود ، وبعد المشهد المصري يأتي المشهد اللليبي وفيه تعرض الليبيون لجرائم قتل وسحل راح ضحيتها حتى الآن أكثرمن(50)ألف ليبي ، ومن أبرز تلك الجرائم الإعدام الجماعي لأكثر من الف سجين سياسي في سجن أبو سليم ، ثم دك المدن على رؤوس قاطنيها في المواجهات الأخيرة ، بل أن العقيد أطلق على المعارضين من أبناء شعبه في أكثر من خطاب صفة الجرذان واستخدم مختلف الأسلحة الجوية والبرية والبحرية واستقدم المرتزقة من دول أفريقية ومن أمريكا اللاتينية ، ولكن إرادة الله وعدله وقوته كانت سابقة فخرج العقيد من أنبوب تعيش فيه الجرذان وتلقى الركلات والضرب بشكل عنيف ثم أغتيل في موقف مؤسف وإن اختلفنا معه ، ولكننا نسلم بعدل الله فكما تدين تدان ، يأتي بعد ذلك المشهد السوري وفيه إجتاحت الدبابات السورية المدن الآمنة ودمرتها ، ثم جُند الشبيحة والورقة الطائفية للتنكيل بأبناء الشعب السوري وسقط الألاف من الشهداء أطفال وكبار ذكور وإناث وتحولت بعض المدن إلى مناطق أشباح ، وهجر العديد من أبناء الشعب السوري مناطقهم إلى دول الجوار كما في تركيا ولبنان ، واستمرت السلطات السورية تؤكد أن المتظاهرين يقتلون أنفسهم وأنهم مجموعات من الإرهابيين والعملاء وو...الخ ، ولكن وعلى الرغم من ذلك استمر الشعب السوري في صموده التاريخي وشكل مجلسه الإنتقالي ، ولثقتنا بعدل الله وقوته فإن الشعب سينتصر على جلاديه مهما بلغ جبروتهم وبغيهم ، فالأرواح البريئة والدماء التي تسفك بغير حق لايمكن أن تذهب هدراً، وسيأتي يوم يلعن فيه الدكتور بشار السياسة ، وسيتمنى إن بقي طبياً من ملائكة الرحمة كما تعلّم ، لا أن يكون شيطاناً من شياطين السياسية .

أما في المشهد اليمني فالأمر شديد الخطور أيضاً فهو يجمع بين كل النماذج السابقة ، فهو يأخذ النموذج الليبي في المواجهات المسلحة في صنعاء وتعز وأرحب ونهم والحيمتين وبعض المناطق الأخرى ، ويأخذ بالنموذج السوري في اجتياح بعض المدن كما هو الحال في عدن بداية الثورة الشبابية ،ويأخذ بالنموذج المصري في تجنيد ما يطلق عليهم البلاطجة والقناصة في بعض المناطق المدنية ، ويستخدم الورقة السياسية في التحاور مع الداخل والخارج وفيها يجمع بأشكال التفاوض التي قام بها رؤساء الدول الأربع ، يضاف إلى ذلك العقاب الجماعي المتمثل بقطع الخدمات مثل الكهرباء والمشتقات النفطية وهي صورة من العنف الغير مباشر، وبالتالي فالحالة اليمنية حالة متفردة لطبيعة المواجهة مع القوات الموالية للثورة الشبابية وهي قوى عسكرية نظامية ومليشيا قبلية ، ثم المواجهة السياسية والفكرية مع تنظيمات سياسية وجماعات دينية وإعلامية وثقافية، فالسلطات اليمنية تحاول تكوين جماعات مقابلة لكل شكل من أشكال المعارضة ، ولكن ومع كل ذلك فالأخطر في المشهد اليمني يتمثل بحالة العنف والإنتقام الذي يتفاقم بين كل يوم وآخر من خلال تطور أشكال المواجهات لتمتد إلى مناطق واسعة آهلة بالسكان ويصبح أشخاص في الغالب ليسوا جزءً من المواجهة السياسية أو العسكرية ضحايا الإستهداف بالقنص أو الرصاص الطائش ومنهم كفيف وكبير سن يعبر شارع أو ربة بيت تخرج لتلبية احتياجاتها اليومية أو طفل يلعب جوارمنزله أو طالب في الطريق إلى مدرسته أو جامعته ، أو عسكري يقوم بواجبه الأمني ، وهناك صنف آخر قد يخرج في مظاهرة سلمية تطالب بتغيير سياسي سلمي ولايحمل سلاح ناري أو أبيض ، فَيُعتدى عليه بمختلف الأسلحة النارية والبيضاء ويُعذّب ويُهان ويُطارد في أزقة الأحياء التي يحتمي فيها من وابل الرصاص،وقد يُسحل أويوصف بألفاظ عنيفة مثل تُهم الكفر والعمالة والإرهاب وو..الخ ، ومن هؤلاء من سقط شهيداً أو جريحاً وهو مبدع في تخصصه مثل عشرات الحفاظ لكتاب الله تعالى وأبطال الرياضة والمعلمين والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والقادة العسكريين وغيرهم من الكفاءات الذين إغتالتهم أو جرحتهم أيادي الهستيريا والعنف وغالبيتهم شباب الوطن في أمس الحاجة لخبراتهم العلمية والعملية ، إننا وبالعودة إلى عام مضى سنجد أن ذلك السلوك العدواني العنيف ضد إخوة في الدين والوطن لم يكن يخطر على بال أحد ، ولم يكن يخطر على بال أحد أيضاً أن تتحول مناطق تجارية وحيوية مثل شارع هائل أو الزبيري أوالجامعة القديمة إلى مناطق خوف ورعب نتيجة القنص الذي لايعلم المارة مصدره .

إن حالة هستيريا العنف لايحكمها عقل ولا منطق بل تحركها الأطماع والعدائية والإنتقام ، فمواطنين عزّل وشوارع تجارية وعمارات سكنية ومشروعات اقتصادية تصبح هدفاً للآلة العسكرية المدمرة ، وتصبح لدى من يتصف بالهستيريا والعنف الرغبة في الإنتقام وتدمير ما بني لعقود من الزمن في لمح بصر، ويصبح أعمى البصر والصيره من الصعب عليه أن يميز بين الصديق والعدو أو بين الخير والشر.

أخيراً أكدت الأحداث التي يمر بها عالمنا العربي أن حالة هستيريا وعنف وإنتقام السلطات العربية مهما استخدمت من أسلحة ستنهار أمام سلمية وصمود أبناء الشعوب العربية التواقة للحرية ، وخاصة الشباب الذين ولدوا وعاشوا في أحضان هذه الأنظمة العتيقة ، كما أن القسوة والعنف المفرط سيؤدي دون شك إلى عنف مضاد في مرحلة ما من مراحل المواجهة مع المعارضين ، وما حدث من عنف جسدي عند إلقاء القبض على العقيد القذافي وأولاده وبعض أركان حكمه والمواجهات المسلحة مع ثوار ليبيا يمثل صورة من التحولات المحتملة في المشهد العربي ، وسيصبح من الصعب على العقلاء ضبط حركة ردود الفعل المضادة من قبل الشباب الثائرأوالجماعات المسلحة ، ومن ثم فحالة المواجهات الحالية ذات الطابع المدني أو العسكري في عدد من الدول العربية لايمكن تصورتغيراتها المستقبلية ، لأنها تأتي في هيئة ردود أفعال نتيجة تغير في موازين القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية بين السلطات وقوى المعارضة ، نرجوه تعالى أن يدفع عن شعوبنا دعاة العنف والإنتقام ، وأن يحقق لها ما تصبوا إليه من حرية وعدالة ومواطنة متساوية بعيداً عن العنف والقهر والظلم إنه على ما يشاء قدير.