الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٢ صباحاً

الاغتيال المعنوي

نبيل مبارك عجرة
الثلاثاء ، ٢٩ ابريل ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
تلك التي تمرق من الفم مروق السهم من الرمية، وليس لشيء إلا لتصيب الهدف؛ فترديه قتيلاً، أو تشل حركته، إنها التهمة التي قد يحصل بها المراد وخصوصاً إن وافق الاسم المسمى، وقد تصطدم بجسم صلب لترد على صاحبها؛ ليس لتصيب موضع منه بل لتتفرق على جميع كيانه!

إن هذا السلاح الفتاك لم يكن وليد اليوم لتدمير المخالف وخصوصاً إذا لم يستطاع عليه، إن هذا السلاح كان يستخدمه الملوك لإسقاط حركة، أو شخص عند الإحساس تجاههم بروح التغيير والتجديد للحال الذي يعيشونه، وما ذلك بغريب أن يحدث ذلك ممن كان همه الدنيا ومن الذين يلهثون وراء زخرفها الزائل، الذين يتشبثون بكل الوسائل التي تطيل بقائهم على الكسب والإيداع، فإن أردت المنافسة فأنت بين خيارين: إما أن تكون معين لهم أو يصيبك ما أصاب من حاد عنهم من التهم التي تثقل كاهل صاحبها فتصل به إما للاستسلام وترك ما كان يرجوه، أو البقاء ليستقبل تهمة أخرى إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
إذاً لا يلجا إلى رمي مخالفيه بالتهم الجارة إلا الضعيف الذي لا يستطيع البيان والتوضيح لرأيه أو رد رأي مخالفه، فيلجا إلى المكابرة ومن بعد ذلك إلى الظلم ويحسبون أنهم يحسنون صنعا! فإن فرعون عند أن لم يستطع أن يرد على البينات والمعجزات التي جاء بها موسى قال: إنه لكبيركم الذي علمكم السحر، وعند أن عجز بلغاء وفصحاء قريش على أن يجدوا سقطة أو يأتون بمثل هذا الذي جاء به ذلك النبي الأمي صلى الله عليه واله وسلم قالوا: سحر يؤثر.

وإن تعجب فالعجب كل العجب من الذي يسخر المنصب الذي وهبه الله له أولاً والمجتمع ثانياً وسيلة لتصفية حساباته واغتيال الأفكار الحادثة جملة وتفصيلاً ورميها بأقذع الألفاظ التي تزيلها عن طريقه ثم يرميها من وسط الطريق ويقول إن إماطة الأذى شعبة من شعب الإيمان! ومن تلك الأماكن التي لا ينبغي أن يخرج منها إلا كل خير وكل صالح مفيد ونافع، فيأتي من يلوي وظيفة تلك الأماكن ليحولها إلى متاريس يرمي من خلالها القذائف على كل من يرى أنه قد انحرف عن النهج القويم، لبرالي، علماني، اشتراكي،منحل، زنديق، إلى غير ذلك من التهم التي تقشعر منها الجلود ويقف لها الشعر، وقد يكون الخلاف عبارة عن مخالفات لا تتجاوز الخلاف العقلي الذي يختلف فيه كل البشر على قدر ما أعطاه الله لكل منا من موهبة التفكر والاستنباط، فإنه لإحدى الكبر أن يرمى إنسان بتهمة من على منبر أو من داخل محراب وما ذاك إلا لخبر قد يكون صدق ولكن بخلاف القصد، بل قد يكون كذباً من أساسه فيكون قد باء بإثمه وإثم من ظلمه، فتهمة اليوم ليست كتهمة الأمس لأن تهمة الأمس تقال فتنتشر وقد لا تنتشر بل قد تحور فترد على أعقابها لبطئ حركتها، ولكن تهمة اليوم تسطر أو تقال فتبلغ الأفاق في لحظة، وهو مصداق الحديث النبوي الذي قال فيه صلى الله عليه واله وسلم: ( ومنهم من يكذب الكذبة فتبلغ الأفاق ) فالواجب على كل طالبي الحق التوثق من الأخبار التي ترد إليهم من إخوانهم أو من غيرهم وما ذالك عليهم بعزيز؛ فرسالة بريد الكتروني، أو رفع سماعة قد تفي بالغرض لتوثق من صحة الخبر فتكون قد قطعت الشك بسيوف اليقين.