الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٣ صباحاً

اليمنيون .. وجدلية الفصل السابع !!

معتصم أبوالغيث
الاثنين ، ١٠ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
السادس والعشرين من فبراير المنصرم كان موعداً لليمن مع مجلس الأمن الدولي، أقر فيه الأخير وبإجماع أعضاءه القرار 2140 الصادر وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وما بين مشاعر فرحةٍ بمولود وكآبةٍ على متوفي، كانت ردود أفعالنا اليمنيين في استقبال القرار، وبتباين الآراء بين رافضٍ ومؤيد، واختلاف المواقف بين مهاجمٍ ومدافع، احتدم جدلٌ شعبيٌ مستمر، وتصدر موضوع السيادة الوطنية لموجة الجدل المحتدمة. وكحديث خائن عن الأمانة جاء جدلنا في السيادة، فأنى لنا أن نتحدث عن سيادة وطنية قد تنتهك بقرارٍ وضع تحت الفصل السابع، في نفس الوقت الذي تقف فيه أقدامنا على أرض وطنٍ ألعوبة هي سيادته بأيدي مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، وليتها اقتصرت على كبرى تلك الأطراف وكفى، فحتى تلك الدول التي لا يعرف موضعها على الخارطة، أصبحت لاعباً أُعلن احترافه على الأراضي اليمنية.

إذاً .. وهل يعني استشراء الانتهاكات السيادية للوطن اليمني، التسليم بها، وتوزيع أوصال الوطن على كُل طالب؟! (نعم) تلك هي إجابة كل بائع خاضع تابع، وما من إجابة حق سواها (لا) ، إلا أن (لا) لا تعني المكوث في ثورة جدلٍ نهايتها رفضٌ أو تأييد، فثورانٌ جُل غايته تلك، هو ثورانٌ عقيم لا حاجة للأوطان به. فمن بديهيات الأمور أن ملاحظة المشكلة نفسها لا يُغير من الوضع شيئاً أبداً، لأن الحلول تكمن في العودة لأسباب تلك المشكلة. ولمن يهمه الأمر هُنا، فإن صواب طريقنا يكون في التنقيب عنها تلك المسببات التي أوصلتنا إلى سرطان الانتهاكات السيادية الخبيثة، ولنتكاتف لنعالجها ونستأصل شأفتها.

نعم .. ما كان ذلك ليكون لولاها أيدٍ يمنية مولعة بالعمالة والخيانة لمختلف الأسباب، وبعديد من المسميات، فما كان لتلك الأيدي الخارجية أن تمتد إلى الوطن، لولا احترافية أيديها الداخلية للعمالة. والعجب العُجاب أن ستجد تلك "العميلة" جميعها من وقتٍ لآخر وهي تصرخ بضجيج أصواتها المزعجة في وجه عمالة الداخل وانتهاكات الخارج! . وما ذلك إلا نتاج مفاهيم جديدة أنشأتها الأطراف السياسية اليمنية على غير اتفاق منها، مفاهيمٌ أصبحت فيها العمالة والانتهاكات الخارجية لا تكون إلا مع تلك الدول التي ليسوا على اتفاقٍ معها، أما تلك التي يتفقون معها فتلك صداقات بريئة! . وإن تلك المفاهيم المستحضرة لظاهرةٌ وجد واضحةٍ للعيان، في تذبذب مواقف مختلف الأطراف السياسية في تعاملها مع التدخلات الخارجية من تدخلٍ إلى آخر، فتارةٌ فيها العذر والتبرير، وأخرى لها الشجب والتنديد، وبين دفاعٍ عن الحانية المحبة، وهجومٍ على الكارهة المبغضة، كان تقسيم تلك الدول المنتهكة !!

مشكلةٌ كبرى هي تلك التي تظهر لدى استقبالنا نحن الأوساط الشعبية لتلك المواقف وغيرها، فبدلاً من أن نستقبلها بالاستدلال عليها بدليل العقلانية ودلالة العاطفة، ترانا نستقبلها واستدلالنا عليها تبعيتنا العمياء ومعارضتنا العوجاء. فإننا أينما وجدناه ذلك الطرف الذي نتبعه ولينا وجوهنا نحوه وأصبحنا خلفه، وكل ذلك دون أدنى محاولةٍ منا لأن نعرض موقفه هذا على ما أوتينا من عقولٍ أو قلوب! . وفي تلك مواقفنا فحتى بالعودة إلى سيرة الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فسنجده وقد سأله أصحابه رضوان الله عليهم في أكثر من مرة عن كُنه موقفه (أهو وحيٌ مرسل أم رأيٌ له؟) ، ونراهم وقد أبدوا آراءهم المخالفة لرأيه إن كان ذاك رأيٌ له. وإن عُدنا ونظرنا في إتباعنا أصحابنا، لوجدنا أنفسنا نتصرف وكأننا نتبع ملائكة معصومين من الزلل منزلين بأمر منه عز وجل! . وفي الضفة الأخرى ستجدنا ونحن نعارض وما أغربها معارضتنا تلك، فمن نعارضهم هم شياطين رجيمة في أنظارنا، فلا يأتي منهم سوى وسوسة خانسة، إذا سلكوا فجاً سلكنا غيره، فقط لأنهم سلكوا ذاك الفج، حتى وإن كان ذلك هو الصراط المستقيم، فحتى وإن كان موقفهم موقف حق، فهو "حقٌ يُراد به باطل" ، فترانا ولينا وتركنا الحق بعيداً لما أُريد به! . وفي طريق محاربة بعضٍ منا وانتقادهم للتبعية العمياء، نجد كثيراً منا وقد اتجهوا نحو الاستقلالية، ولكم هي قاصرةٌ تلك الاستقلالية التي تجعل الشخص منا رافضاً لجميع الآراء، لينحو بعيداً عن صواب الاستقلالية التي تجعل من الشخص رافضاً لجميع الآراء الخاطئة وفقط،، ولتلك الاستقلالية القاصرة هي نفسها التبعية العمياء، فرفضهما للآخر ومعارضتهما العوجاء عاملٌ مشترك يجمعهم.

وكناتج للمعطيات السابقة كان من الطبيعي ظهور تلك المعادلات الجديدة في واقع المجتمع، معادلات صراعٍ مجتمعي قائم على تخوين الآخر واتهامه، على عدم القبول به ورفضه، وعلى صراعٍ عنيف أبحنا فيه لأنفسنا استخدامنا لجميع الأدوات بلا استثناء. معادلاتٌ أصبح معها كل شخص منا ينظر لنفسه وهو يراها أنها الوطن، وكذلك هو الإنسان الوطني، ولأنه الوطني الوحيد فهو لا يعطي ثقته لأحد إلا نفسه، وهو نفسه كذلك المواطن الوحيد الذي يستحق العيش على أرض الوطن، فالآخرين أولئك الذين لا يدافعون عن وطنهم ولا يسعون لنهضته، هم أفرادٌ ليس لهم أن يطالبوا بحق المواطنة أصلاً! ، وهنيئاً لها أنفسنا منصبها الذي تعدى كل منصب فأصبحت معه الوطن والوطني والمواطنين. وهنا كانت النتيجة تفككٌ وصراع باسم اليمن، ولأجل اليمن تصارع الأبناء وأشغلهم صراعهم، ليتسلل اللص الطامع من بينهم ليسرق الوطن ويذهب، فكان الصراع للأبناء وللص الوطن. ولأجل الوطن أستمر الصراع! ، وكل واحدٍ من الأبناء يطلب القوة لنفسه (الأنا) والضعف لأخيه (الآخر) ، لتنسينا (الأنا) بأن مجموع ذلك (الآخر) يشكلنا نحنً (اليمنيون) جميعاً، وعندما كانت النتيجة هي ضعف جميع ذاك (الآخر) ، فكان هم اليمنيون جميعاً من دب الضعف فيهم وخارت معه قواهم. وفي صراعنا المستمر لأجل الوطن، أخذ اللصوص الأم اليمنية، واستشرى الضعف في الأبناء اليمنيين، وأنى لضعيف الغابة أن يسترد ما أُخذ منه ؟!

أن تجد العقارب والأفاعي وهي تملأ طريقاً تسير فيه، فتقرر حينها أن تغمض عينيك لتواصل مسيرك، فإن ذلك لا يعني اختفاءها تلك العقارب والأفاعي عن الطريق، بل يعني أنك تعرض نفسك للتهلكة أكثر مما لو أنك واصلت بعينين مفتوحتين! . ونعم هي الحقيقة المُرة التي تستدعي أن نواجهها، لا أن نغمض أعيننا عنها، تلك الحقيقة التي تقول فحواها وللأسف الشديد بأننا نحن أنفسنا من ضيعنا السيادة التي نبحث عنها، وبأن علينا أن نستردها منا قبل الغير، وأن يكون اللوم موجهاً لنا فالأقرب منا قبله ذاك البعيد عنا. وإن كُنا حقاً نحمل معزة وغلاء ومحبة تجاه هذا الوطن، فلنعلم بأن هذا الوطن يعني (أنا والآخر) لا (أنا أو الآخر) ، ولأن هذا الآخر جزءٌ من الوطن، فعليه يكون لهذا الآخر لدينا معزة وغلاء ومحبة، من تلك التي نحملها تجاه الوطن.