الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠٣ مساءً

الوفاء اليمني للكويت

د. عبدالله أبو الغيث
السبت ، ٠٨ مارس ٢٠١٤ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
ارتبطت الكويت في أذهاننا أيام كنا طلاباً في المرحلة الثانوية ومن بعدها الجامعة بأنها ذلك البلد الذي يضخ للمواطن العربي كل ما يتعلق بالفكر والثقافة، كانت مجلاتها الفكرية التي تشمل جميع مناحي الفكر والثقافة هي زادنا الذي نستقوي به لاستعراض قدراتنا الثقافية أمام أقراننا.. وخلسة كنا نستعيد ذكريات براءة طفولتنا مع (العربي الصغير) التي لا زلتُ إلى اليوم أنافس أطفالي وأولادي اليافعين على من منا سيفوز بقصب السبق في مطالعة مواضيعها.

دولة الكويت مثلت لنا أيضاً بصيص الديموقراطية العربية التي كنا نفتقدها، كنا نجزم بأن البرلمانات العربية من محيطها (الخائر) إلى خليجها (العاثر) ما هي إلا مجرد ديكورات تجمل به السلطات التنفيذية في الأقطار العربية نفسها.. إلا في الكويت فقد كان الأمر جد مختلف بالنسبة لنا، حيث مثل برلمانها منبراً صادقاً للديمقراطية والحرية والتنوع.

حكومة الكويت استطاعت أن تصبح نموذجاً للسياسة العربية المتزنة والمعتدلة التي تسالم الجميع، وتبحث عن الخير للجميع، وتضخ مساعداتها للجميع أيضاً؛ بعيداً عن المواقف السياسية للآخر، وبغض النظر عن مدى قربها أو بعدها من مواقف الدولة الكويتية، وهو موقف فريد قل أن تجد له نظير.
تلك كانت النظرة العامة التي ننظر بها في اليمن للكويت والتي تجعلنا نكن لها ولحكومتها وشعبها الحب والتقدير والاحترام، وهي نظرة يشاركنا فيها معظم أبناء الأمة العربية إن لم يكن كلهم، أما في اليمن فقد كان لنا عوامل إضافية تدفعنا لمزيد من الحب الإضافي تجاه الكويت الشقيقة وشعبها الكريم.

فمنذ اليوم الأول للثورة وإعلان النظام الجمهوري في شمال اليمن بدأت الكويت تقدم العون السخي للجمهورية الوليدة في مختلف المجالات التنموية والاقتصادية والسياسية، على الرغم من أن الكويت كانت مازالت دولة حديثة الاستقلال. وبعد استقلال الجنوب اليمني امتد الدعم الكويتي ليشمل مختلف ربوع الأراضي اليمنية.

لقد حرصت الكويت في دعمها السخي للشعب اليمني أن تركز على تطوير الإنسان اليمني في جسمه وعقله، حيث انتشرت المستشفيات والمنشآت الصحية، وكذلك المدارس والمعاهد المدعومة من الكويت ولمس خيرها المواطن اليمني بكل مناطقه.
وتوجت الكويت دعمها لليمن بإنشاء جامعة صنعاء في مطلع سبعينات القرن المنصرم، وظلت تطورها وتدفع مرتبات أساتذتها المعارين حتى استطاعت أن تقف على قدميها.

كنت وأنا أدلف من بوابة كلية الآداب في جامعة صنعاء طالباً، ولا زالت حتى اليوم وقد صرت أستاذاً فيها، أتأمل تلك اللوحة الرخامية الصغيرة التي وضعت على جانب تلك البوابة وكتب عليها "هدية الكويت للشعب اليمني الشقيق"، وسرعان ما تقفز إلى ذهني اللوحات العملاقة التي كانت دول أخرى تحرص على وضعها على بعض مشاريع قزمية أقامتها في اليمن، وحرصت أن تكون على الطرق العامة ليراها العابرون، وكان حجم اللوحة يفوق أحياناً حجم مبنى المشروع نفسه.

وبعد ذلك دعونا نضع أنفسنا في موضع أحباءنا في الكويت أميراً وشعباً وحكومة وهم يتابعون الموقف اليمني من الغزو العراقي للكويت في صيف 1990م، وإحساسهم بالخذلان من دولة أحبوها وقدموها في مساعداتهم على كثير من الدول العربية.
وذلك يجعلنا نتفهم ردة الفعل الكويتية في حينه، خصوصاً إذا نظرنا إليها من قول الشاعر العربي: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند، ولا نستبعد أن أشقاءنا في الكويت وهم يرددون ذلك البيت الشعري ربما رددوا معه أيضاً المقولة الشهيرة للإمبراطور الروماني يوليوس قيصر " حتى أنت يا بروتس؟! ".

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يبرر موقفنا كيمنيين أمام الشعب الكويتي الشقيق علمنا بأنهم يدركون بأن ذلك الموقف اختصت به القيادة السياسية للجمهورية اليمنية آنذاك، ولم يكن البتة موقفاً محسوباً على أبناء الشعب اليمني الذين يكنون للكويت وشعبها الشقيق الحب المطلق.. وأكاد أجزم أنه لا ينافسهم شعب آخر على تلك المكانة.

الآن وبعد رحيل النظام السابق الحاكم في اليمن صاحب ذلك الموقف لعله من الطبيعي أن نتشارك جميعاً في إذابة ما تبقى من جبل الجليد لنعيد العلاقات بين البلدين إلى مجراها الطبيعي الذي كانت عليه قبل ذلك التاريخ.

علينا أن نُرَحل ذلك الموقف إلى مزبلة التاريخ كما فعلت شعوب أخرى غيرنا كانت خلافاتها أكبر من خلافاتنا، مثل ألمانيا التي اكتسحت فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، لكن ذلك لم يمنع الدولتين بأن تلتقيا لتمثلا النواة التي قام عليها الاتحاد الأوروبي بعد ذلك.
خصوصاً أن الأحدث التي تشهدها الجزيرة العربية والخليج ومعها الوطن العربي والإقليم المحيط ، والمؤامرات التي تحاك هنا وهناك والتي تهدف لتفكيك دول المنطقة والسيطرة على مقدراتها، تقول بأن حاجة الكويت واليمن لبعضهما ستزداد كثيراً، خصوصاً إذا نظرنا للموضوع من زاوية استراتيجية بعيدة المدى، فاليمن رغم حاجتها للعون الاقتصادي والمالي في فترتها الراهنة لمنع انهيارها إلا أنها تملك بالمقابل مقومات جغرافية وسكانية وتاريخية يمكن لدول الخليج الاتكاء عليا للتغلب على المؤامرات المتكاثرة من حولها حاضراً ومستقبلاً.

أخيراً: لقد تذكرت كل ذلك وأنا أتابع خبر إعلان مبادرة الوفاء للكويت التي تبناها المنتدى السياسي للتنمية الديمقراطية في صنعاء، حيث أعلن عن فعاليات مكثفة قدر لها أنها ستستمر نصف شهر تقريباً، وهي حملة نعتقد أنها أتت في وقتها، ولا نملك إلا تقديم الشكر لأصحابها ونعلن لهم استعدادنا الكامل للمساهمة فيها، خصوصاً وقد تشكلت من كوكبة رائعة من الدبلوماسيين والأكاديميين والشخصيات الاجتماعية والشبابية والنسوية من كل ألوان الطيف اليمني.
وهي دعوة نوجهها من هنا لكل من يستطيع تقديم العون من أجل المساهمة في انجاح هذه المبادرة سواء في اليمن أو الكويت، وذلك لما فيه المصلحة العامة للبلدين اللذين يشكلان البوابتين الرئيسيتين لجزيرة العرب، حيث تقبع اليمن في مدخلها الجنوبي على باب المندب، وتقبع الكويت على مدخلها الشمالي في رأس الخليج العربي، وكذلك مصلحة منطقة الجزيرة العربية والخليج ومعها مصلحة الأمتين العربية والإسلامية.. ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

ختاماً: نقولها بالفم المليان لأحبابنا في الكويت " نحن نحبكم، ونتأكد أنكم تدركون ذلك، ونثق أنكم أيضاً تبادلوننا نفس المحبة" ، ونقولها بالكويتي كذلك "انحبج يالكويت".