السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٣٥ صباحاً

حلم علماني

يحيى مقبل
الجمعة ، ٢٨ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
تراءيت أني أسير في أروقة جامعة يمنية ، وخلال سيري مررت بالعديد من الكليات والاقسام واستمعت للعديد من الحوارات والنقاشات في فناء الجامعة وداخل قاعاتها لمنتسبي هذه الجامعة ، ورئيت الكثير من المظاهر والنشاطات المريحة والجادة واليكم تفاصيل الحلم .

في اول عبور لي من بوابة الجامعة وقع ناظري على مجموعة فتيان وفتيات يجلسون مع بعض ويحتسون مشروبات يبدو انها روحية لا يتعاطون القات يظهر ذلك من صفاء بَشَرَتهم وبسطة اجسادهم ، الفتيات مكشوفات الوجه وبعضهن كاشفات الرأس والوجه واخريات متحررات اكثر ،
وهناك تحلقت مجموعة من الطلاب والطالبات حول طاولة مستديرة بالقرب من مكتبة الجامعة ودار بينهم نقاش حاد حول مسائل فكرية وفلسفية لا افقه فيها شيئا.

وعند مروري بقسم اللاهوت لفت نظري كتاب كبير الحجم اسمه كتاب تاريخ القرآن للعلامة تيودور نولدكة ،يحتضنه طالب ينتمي لقسم القرآن ،وطالبة اخرى في نفس القسم كاشفة الرأس بيدها كتاب متوسط الحجم اسمه (القرآن من التفسير الموروث الى نقد الخطاب الديني) لمؤلف اسمه محمد اركون ، وكتب اخرى لم اتمكن من قراءة عناوينها الا اني تأكدت انها كتب في اغلبها مترجمة لعلماء وفلاسفة غربيين قررها محاضري المواد اللاهوتية ، وبينما انا كذلك طرق مسمعي حوار ساخن في قاعة مجاورة ، احد هؤلاء المتحاورين يستدل على تاريخية القرآن وطالبة ترتدي الحجاب الاسلامي تعارض زميلها وتدلل على ان النص الديني عابر للزمان والمكان.

دخلت مكتبة تخص قسم الاسلاميات واذا بطالب يحمل كتب تراثية لتفسير القرآن احدها للطبري والاخر للزمخشري ، و في الحلم سألته ماذا تريد بكتب التفسير هذه ؟ فأجابني انه بصدد اعادة تجميع مصحفي ابن مسعود وابي بن كعب ليكسر احتكار مصحف عثمان . قلت الا يثير هذا العمل غضب المسؤولين عن تحديد طريق الجنة استدار ولم يعر سؤالي كثير بال.

ورئيت الكتب المقدسة والطلبة يعكفون على مقارنتها ببعضها فالتوراة والاناجيل والقرآن كما كتابيْ "تيبيتاكا" و"سوتراس" البوذية وكتاب "تعاليم كنفوشيوس" والكتب المقدسة للمندائية "كنزا ربا", "دراشة أد يهيا", وكتابي "شروتي" و"سمريتي" الهندوسية .
خرجت من القسم المخصص للاهوت وتقصدت ألا أدخل قسم الآداب ولكني لحظت اثناء مروري بجواره طالبة من منتسبي قسم الآداب اجهل مستواها تحمل رواية اسمها (حرمة) لعلي المقري .

وفي قسم اللغويات مصطلحات لم اسمع بها من قبل فمصطلح اللغويات التطورية والتاريخية ،علم اللغة النفسي ،علم اللسان العصبي والتاريخي والاجتماعي علم التأثيل وعلم الاصوات .

واصلت تجوالي بين اروقة الجامعة ، وعند مروري بقسم الفيزياء صادفت مجموعة طلابية مختلطة يدور نقاشها الهادئ حول نظرية الكم ونسبية اينشتاين ومصيرها اذا ما تحقق ان جسيم النيوترينيو اسرع من الضوء ، وسمعتهم يتحدثون عن ان النسبية ستلاقي المصير نفسه الذي لاقته فيزياء نيوتن الكلاسيكية ، آخرون داخل قاعة يطورون رجل آلي ،واخرون يعكفون على ادوات نانوية ،وآخرون ......وآخرون .......

وفي قسم الاحياء سمعت حديث عن الاستنساخ والمورثات والمتعضيات و DNA، RNA.، آخرون يطورون المورثات الجينية المستحسنة لأشجار البن والتفاح والبرتقال والرمان و......الخ ، الا ان النقاش الذي دار بين طلبة القسم من المستوى الرابع كان اللافت فأحدهم كان يمسك بكتاب اصل الانواع لداروين ويتحدث عن الاصطفاء الطبيعي والاصل المشترك لجميع الاحياء فيما آخر يشكك في النظرية التطورية .


وفي قسم التاريخ فروع لعلم المستقبل وفرع لتاريخ الافكار يهتم بدراسة الأفكار في نصوص الثقافات التي تتطور عبر الزمن وفرع لعلم الخطاطة و............الخ.
ورئيت احد منتسبي قسم التاريخ وهو يحمل كتابَي : تاريخية الدعوة المحمدية بجزئيه للمؤرخ والمفكر هشام جعيط .

نظرت في ساعتي واذا وقت المباراة على وشك - طبعا وانا في الحلم - فقررت ان استكمل زيارة بقية الكليات وهي الاهم والاكثر في الغد ، ركبت حافلة نقل جماعي وكانت موسيقى الراب تصم الآذان شاب ثلاثيني على يميني يسمع لعبد الحليم حافظ من موبايله لم ترق له موسيقى الراب ، عشرينية ألحت على سائق الشاحنة أن تسمع لفيروز وأيدها شباب كثر .

وقبل الوصول الى الاستاد الرياضي حيث ستجري المباراة النسوية الختامية على كأس الدولة أيقظتني رسالة من شركة سبأ فون نصها (شارك في استمرار النور في أمتنا ب100 ريال عبر جامعة القرآن الكريم) .

آآه ، كم ازعجتني هذه الرسالة التي ايقظتني من حلم جميل في اروقة جامعة عصرية ذات منهجية علمية حديثة لم اكمل جولتي فيها بعد .
رسالة اعادتني الى واقع يُستخدم فيه الديني ويُستغل لخدمة الاقتصادي والسياسي ، واقع يندمج فيه الديني بالسياسي ويشتبكان ، و تحتكر فيه طبقة الاكليروس طريق الجنة والسعادة دون مشاركة احد ،
واقع المرأة فيه عورة ومخلوقة من ضلع اعوج ،
واقع يُكرَس فيه التعليم التلقيني الذي ما فتئ ينتج لنا نسخ مكرورة من السلف .
ونحن في القرن الحادي والعشرين حيث قفزات علمية كبيرة في العلوم الطبيعية والانسانية ومناهج البحث ومع ذلك لا زلنا نستجر مسلمات اسلافنا الواهية ونخضع لسلطانها .


إن تحرير العقل الديني من قيوده تلك ضرورة ملحة ولا سبيل لذلك الا بمراجعة جدية للكثير من تراثنا الديني وقراءته قراءة نقدية وذلك بالاستفادة من المنهجيات الحديثة .