الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢٧ مساءً
السبت ، ٠١ فبراير ٢٠١٤ الساعة ١١:٢٠ صباحاً
فطرة مغروسة في قلب كل إنسان مهما حاول إنكارها، أو كبتها، أو التملص عنها إنه شيء في كيانك ولا يمكن التخلي عنه، إنه حب الوطن. من أجله تسافر أسراب الطيور، وأنواع الحيوانات مهما بعدت لتعود في الأخير إليه فكيف بمن وهبه الله العقل والعاطفة. فمن لديه كوخاً في مسقط رأسه يفضله على ناطحات السحاب التي شيدها في مكان آخر، بل وتجد كل كل من جال العالم ورأى حسنه وجماله ومناظره الخلابة البديعة تكون وصيته الأخيرة أن يدفن تحت تراب وطنه إنه حب الوطن وعشق لذلك النسيم الذي يتمنى من حرمه أن يشمه ويملا رأته منه ، ذلك العبير إذا دخل صدر الشخص ظل معشش فيه طول عمره ولا ينساه مهما طالت به المدة ومهما شغلته هذه الدنيا بمشاغلها التي لا تنفد، فأول ما تقع عيناه أو تسمع أذناه بما يذكره به حتى يقول:

خليلي من نجد قفا بي عالربا ______ فقد هب من تلك الديار نسيم
خليلي لا والله ما أنا منكم ______ إذا علم من آل ليلى بدالي


لقد التفت خير البشرية ص إلى وطنه ومكان ولادته عند الهجرة فقال: ( والله إنك لأحب بلاد الله إلى قلبي ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت ) سأصبر مهما كان الأذى ومهما كانت المصائب والمحن. بل لم تزل نفسه تهفو إليه وإلى أهلها فلذا أعلنها تكرمة ووفاء للبلد التي ترعرع ونشأ فيه فقال لهم عند الفتح: ( ... من أغلق عليه بابه فهو آمن ) وقال: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) هذا لمن استطاع المحافظة على ذلك الحب المغروس في نفسه ولم يشوبه ما يعكره بأطماع هذه الدنيا الفانية، وحب التملك الذي بسببه يهين الرجل أقرب المقربين إليه ألا وهم أهل وطنه بل وربما يمحو وطنه فتكون في خبر كان.
حب الوطن من الإيمان، مع أنه ليس بحديث ذو إسناد صحيح، إلا أنه ذو معنى عظيم فصيح. يشهد له مواقف وأحاديث أخر. فقد حث الشارع الحكيم على حماية الوطن، والعرض، والمال بل رتب على من حمى ذلك أن يصل إلى درجة الشهداء إن قتل لأجل صد من أراد مساس أرضه، وماله، وعرضه مع أن الأرض من أغلى الأموال التي يكمن أن يمتلكها الإنسان لأنه يبقى يشاهدها مدى حياته فماذا يفعل وهو يرى من يأخذها من بين يديه إلا التضحية لأجها، أو الموت حسرة عليها.

لقد أوجب ديننا الحنيف على إعانة بلد لا يستطيعوا رد اعتداء معتدي وعلى القادرين أن يعينوهم فإن لم يفعلوا يقع الإثم على الجميع لكونهم قد اقترفوا إثم التقاعس لعدم الاستجابة لنداء الإغاثة.

إذا ثبطنا بل وسخرنا لمن يدعوا إلى حماية الأوطان وغرس ذلك في نفوس النشء لأتى من يدعوا إلى إهانة اوطانهم ولن تهان بلد حتى يهان أهلها، فعلى الدعاة والمرشدين أن يعيدوا النظر في قضيه حب الوطن فقد أصاب ذلك الحب ركود ورقود.