الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٠ صباحاً

الثورة أولوية من لا أولوية له

اسكندر شاهر
الأحد ، ٢٦ يناير ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
في نقاش مستفيض مع كوكبة من الصحافيين اليمنيين لتدارس مستجدات الأحداث في البلاد والبحث عن أي الموضوعات التي يمكن وصفها بأنها أولوية في المرحلة الراهنة وفق المعطى الواقعي للقيام بحملات لتكثيف تناولها وإبرازها إلى صدارة الإعلام المتاح طرحت علامات استفهام كثيرة بعد إجراء استقراء ناقص لمجمل القضايا التي تكتسب أهمية كبيرة وترتبط بمصير البلاد والعباد فإجراء استقراء تام على نحو منطقي يبدو أمراً بالغ الصعوبة وفقاً لحالة الاشتباك والتناقض والتوالد التي أصابت المشهد اليمني برمته واستدعت انكشافاً خطيراً استقطب الخارج على نحو غير مسبوق ليكون الخصم والحكم في آن معاً بعد أن استفحلت الخصومات المحلية ولم تجد من يحكمها .

علامات الاستفهام حلّقت كطائرات بدون طيار في سماء المشهد اليمني ، على أنه يمكن عنونة الأهداف بمفردات جوهرية مثل تأسيس الدولة المدنية ، إسقاط الحكومة ، الفساد ،الأزمة الاقتصادية ، الحوار الوطني ، القضية الجنوبية ، قضية صعدة ، الدستور ، الانتخابات المؤجلة ، العدالة الانتقالية ، الفتنة الطائفية والمذهبية ، الإرهاب ، الاغتيالات ، التدخل الأجنبي والوصاية الخارجية ، ثقافة الكراهية والسلم الأهلي ... إلخ .

وفي معرض الإجابة عن علامات الاستفهام تلك وجد المتناقشون أنفسهم أمام حائط مبكى ، فقد تبين أن كافة المفردات آنفة الذكر تعد أولويات نظرية لدى أطراف سياسية وقوى تقليدية أسهمت ولاتزال في تعميق الأزمة المقيمة التي تتضمن كل تلك العناوين وتقوم باستهلاكها وتفريغها من مضامينها من خلال شرعية تحاول اكتسابها موفنبيكياً متلطية بقيم التغيير المستعارة من إرشيف ثورة مختطفة .

صحيح أن الدولة المدنية المنشودة تبرز كأهم العناوين القادرة على احتضان معظم المفردات المؤرقة الأخرى لكن الأصح أنه لا يمكن تحقيقها في طاولة حوار يديرها أعداءها الظاهريين والباطنيين القدامى والمستجدين ، في ظل نظام أعاد إنتاج نفسه بصورة مرعبة ، وهذا الرعب في حقيقته نشأ بفعل قيام ثورة رفعت شعار إسقاط النظام فتم رفعها – الثورة- من الطريق كتكدس للقاذورات وكانت صورة رفع خيام المعتصمين بساحة التغيير وغيرها من ساحات الحرية معبرة عن حقيقة العملية التي سقطت فيها الثورة ليقوم مقامها تسوية سياسية تحتاج إلى تسوية .

تسوية التسوية هي مهمة أصحابها وهم غارقون في هذا الفعل عملياً ، وفي المقابل تكاد تكون عملية استعادة الثورة يتيمة إلا من رهط بسيط من الإنقاذيين الذين يتجاذبهم اليأس والرجاء ..

الصحافيون الباحثون عن أولوية وأكثر لإبرازها في الإعلام المتاح هم جزء من هؤلاء الإنقاذيين الذين يحاولون اجتراح وسيلة بقدر ما ستسهم في إنقاذ الثورة أو استعادتها ستسهم بالضرورة في إنقاذ سمعة الإعلام التي لطخها الفريق الآخر الذي يمتلك الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية محولاً إياها إلى أسلحة تفتك بما تبقى من أخلاق وفضيلة تحبو بين أقدام أمراء الحرب وأباطرة الرذيلة .

وبالنتيجة ستبقى كل القضايا المطروحة والتي تلامس حياة المواطنين ومصيرهم قضايا ملحة ينبغي عدم التوقف عن طرقها والتأصيل لها ، على أن الأصل هو أن حالة التعايش مع تلكم القضايا سلباً أو إيجاباً أورثت شعباً لا أولوية له .

ومن لا أولوية له فالثورة أولويته ، فعندما تصبح الحياة والموت سيّـان ، فشتان بين البقاء بذل وبين الفناء بـعز .. هذه الحقيقة التي قفزت في عقل وقلب محمد البوعزيزي عندما أقدم على إضرام النار في جسده فأتعبت راحته عالماً لايزال يضرب الأولويات كأحجار الدومينو بوصفها لعبة لا أقل ولا أكثر ، وأما نحن فلدينا خشبة 11 فبراير المقبل وقد توافرت لها خصوصية يدركها المحترفون لا الهواة يمكنها التهيؤ لتكون المسرح الأمثل لتحويل لعبة الأولويات إلى سباق رابح في النقاط بعد أن خسر الضربة القاضية .


لـكزة ..
اغتيال الدبلوماسي الإيراني الأسبوع الفائت في وضح النهار بصنعاء بالطريقة التي تناولتها وسائل الإعلام لا تعبر فقط عن أن الأمن مفقود بالمطلق وأنه بات أولوية ، بل تعبر عن أننا نعيش في اليمن عصر (العيب الأسود) بوصفه حاكماً لليمن الذي لم يعد بلداً للقبيلة كما كان ولا بلداً للمدنية كما ينبغي أن يكون بل لم يعد بلداً يصلح للعيش الآدمي !!!