الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٠٨ مساءً

بناء مُخ لص لوطن.!

د . محمد ناجي الدعيس
الجمعة ، ٢٤ يناير ٢٠١٤ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
من المؤلم أن يُبتلى الواحد منّا بشخص أو صديق أو بعض من المجتمع ليس أحمق فحسب، بل وحاقد، وكلما حاولت إقناعه بالمنطق بما قد يعود عليه وعلى الوطن بالخير والنفع حينما يُسخر أقوله وأفعاله نحو الخير، حاول هو جاهداً في إقناعك لما يصب في مصلحته أو مصلحة فئته وكأنك طفل أمامه لا تفهم شيء، وأساس منطقه ذلك كيف تؤذي فلان وعلان لأنه ليس وطنياً؟ وكيف تُدمر ولا تَبني؟ تأبى قدماه السير إلا في خطى الشر ولا يخط قلمه إلا الزُّور ونزق المنكر، ولا تنفث شفتاه إلا السموم بشتى أنواعه، ويُبرر تلك الأقوال والأفعال أنها من أحقية المواطنة.. وبرغم انه لا يُجمع بين عُسرين كما قيل، إلا في مثل أولئك اجتمع الحمق والحقد وما يبعث على الغثيان أنهم يُحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا..! فهل ينطبق عليهم الوصف الإلهي ".. ومن أظلُّ ممن اتبع هواه بغير هداً من الله.."؟ أم نرفع اكُفّنا ونقول "ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا.."

فإذا كانت الإنسانية تعني التعايش مع الآخر ولا تعني مطلقاً الحقد والكراهية والاقتتال فرادى أو جماعات بين بني البشر في سبيل شخص أو قبيلة أو حزب أو عقيدة ..الخ، فكيف بالوطنية التي تكون أكثر لُحمة في التعايش السلمي وأن يحافظ كل فرد على وطن بكل مكوناته تلك، لبناء وطن وقبول كلاً بالآخر..

إن المتأمل للساحة العربية يجدها تعج بأحداث تعطيل مدمرة وصاخبة، بين ترويع الناس وقتلهم، ذلك الغليان أدى إلى شلل تنموي وتدهور في الاقتصاد وشبه توقف لحياة الناس.. وكل ما هي بحاجة إليه دول المنطقة هو إخلاص رجالات السياسة أولاً والفئات المجتمعية الأخرى ثانياً، في الخطابات والعمل والممارسات السياسية، وينطبق ذلك على الفئات المهنية الأخرى أكانت دينية أم نخبوية وغيرها.. وقد أختلف مع البعض من الذين يصفون السياسة الحقيقية – لأن ما يمارسه غالب العرب سياسة شكلية - بأوصاف قبيحة وسيئة، فالسياسة هي العصب التي تدير شؤون الناس وترمي إلى تحسين حاضرهم وتطوير مستقبلهم، إلاّ أن النجاح والفشل فيها مرهون بمبدأ الإخلاص السياسي للوطن، وعند ممارسة الأحزاب عكس ذلك يؤدي بهم إلى فشل ذريع وانهيار الدولة، وحينها تتحول أهداف مراكز القوى في البلد أو موازينها إلى رغبة في الاستحواذ على السلطة وتحقيق المكاسب الشخصية والفئوية، وهذا قُبح ما بعده قبح.. فيقال عن القبيح والأقبح : إن الذنب من الشاب قبيح ومن الشيخ أقبح؛ والاشتغال بالدنيا من الجاهل قبيح ومن العالم أقبح؛ والتمرد عن الطاعة من جميع الناس قبيح ومن الساسة والعلماء والعسكر والنخبة والطلبة أقبح؛ والتكبر من الأغنياء قبيح ومن الفقراء أقبح..

لذلك كله وغيره فإن المشتغلين بالسياسة إذا ما أخلصوا لأوطانهم ومارسوا الانتماء لنظمهم والولاء لأوطانهم، بالتأكيد سينتقلون بأوطانهم وشعوبهم إلى بر الأمان المجتمعي والتطور المستقبلي، دليلنا في ذلك دول العالم التي نهضت وتطورت بسرعة كبيرة، كان العامل المشترك فيها هو وجود المخلصين من الساسة سواء أكانوا في الحكومة أو في المعارضة التي يجب أن تعمل من أجل المصلحة العامة لا من أجل مصالح طائفية وفئوية وحزبية فبنوا دولهم بناءً علمياً وتقانياً وأمن ناسهم، وعلى العكس نجد الغالب من الساسة العرب اتخذوا من السياسة الشكلية مطية لتصفية الحسابات وصلت إلى القتل والسرقة وغيرها، فهدمت أوطانها وألبست ناسها لباس الخوف والجوع .

ذكرتني أحوال الدول العربية عموماً واليمنية خصوصاً قصة ذلك اللص العربي الذي امتهن سرقة الحقائب النسائية وأجهزة تلفونات الخلوي في بلده حتى فضح أمره، وصار يُؤتى به إلى قسم الشرطة في كل حادث سرقة، فقرر اللجوء إلى أمريكا ليتخلص من هذا الوضع ويمارس نشاطه هناك.. فالتقى بلص أمريكي درّبه على أسلوب جديد، وذات يوم أخذه معه لسرقة أحد القصور، ففتح اللص الأمريكي باب القصر بالمفتاح وكذلك الخزنة وأخرج النقود ووضعها على الطاولة وطلب من صاحبه إحضار ثلاث كاسات ولعبة الورق ورفع صوت الموسيقى، فاستغرب اللص العربي وطلب من صاحبه الهرب طالما أن العملية قد نجحت، فرفض اللص الأمريكي الهرب حتى دخل صاحب القصر وصوّب مسدسه نحوهما واتصل بالشرطة التي حضرت على الفور وسجلت اتهام صاحب القصر، إلا أن اللص الأمريكي قال لهم: لسنا لصوص بل نحن نلعب الورق وصاحبنا هذا خسر اللعبة ورفض أعطائنا حقنا من المال فاتصل بكم متهماً إيانا بالسرقة، وعندما وجدت الشرطة أن الموسيقى مرتفعة والورق وكاسات الشراب على الطاولة صدقوا اللص الأمريكي وكذبوا صاحب القصر وحذّروه من تكرار الفعل، فخرج اللصين ومعهما المال بحماية الشرطة.

هكذا هي سياسة كل عقلية أمريكية تخدم السيادة الأمريكية، وهكذا هو السياسي الأمريكي مخلص لوطنه، لكنه مخ لص مع الآخر ومنهم العرب لصالح وطنه وشعبه، وكل ذلك أمام الشرطة العالمية، أي مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، وبالقانون وتحت ذريعة حقوق الإنسان. وله العذر في ذلك.

إن واقعنا اليمني بناه ولا زال يُصرّ على بنائه كل مخ لص وطني في كل مجالات التنمية الوطنية إلا فيما ندر، وإن رغب مخلص في بلورة رؤىً لبناء وطن سليم ومعافى من العلل عارضه مخ لص بكل وقاحة وعلى مرأى ومسمع العالم، حتى تأصل بين عامة الناس أن بين كل مخ لص ومخ لص مخ لص وطني جعلهم يكابدون شظف الحياة، بدءً من سفلتة الشارع ومروراً بانتهاكات صفو حياتهم وأسْرِ مطالبهم الأساسية عنهم في حق العيش الكريم ووصولاً إلى رئاسة البلد بسبب ذاك الرجل المخ لص المزروع في شرايين الوطن.. فمتى يا ترى سيرى وطني كل من يحمل عقلية مخلصة لكل مكوناته أكانت سياسية أم عقائدية أم عسكرية أم قبلية أو أكاديمية..الخ؟