الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٢١ صباحاً

كلية فنون وطنية أم عزبة عائلية ؟!

د. محمد علي بركات
الخميس ، ٠٢ يناير ٢٠١٤ الساعة ١٠:٢٠ صباحاً
تميزت إحدى الجامعات الوطنية بإحدى المحافظات الساحلية الجميلة بوجود كلية للفنون الجميلة ضمن كلياتها المتعددة .. واستبشر الجميع بهذه الخطوة المتقدمة في مجال التعليم الجامعي النوعي الذي تفتقر إليه جامعاتنا الوطنية والأهلية العديدة .. ولكن بالطبع كل مشروع أو منجز جديد كهذه الكلية وبالأخص عندما يكون في مثل هذه المجالات النوعية الفريدة .. يتطلب توفير كافة مقومات إنشائه بدءاً بالإدراك الواعي لأهمية دور مثل هذه الكلية العلمية النوعية بأقسامها الفنية المتخصصة ، وما يمكن أن يضيفه هذا النوع من التعليم النوعي إلى المنظومة التعليمية والحياتية ..

ثم توفر الكفاءات من أعضاء هيئة التدريس المتخصصين بالتوازي مع توفر البنية الأساسية للعملية التعليمية .. المبنى والوسائل التعليمية المختلفة المفترض توفيرها لكل قسم من أقسام الكلية .. وقبل ذلك العناية في اختيار طاقم إدارتها اختياراً دقيقاً وفقاً لقدراتهم وخبراتهم بما في ذلك الخبرة الإدارية ..

فلو نجحت الجهة المعنية في توفير تلك المقومات لإنشاء هذه الكلية النوعية وتضافرت جهود الجميع لتحقيق الأهداف المرجوة لتوفقت الكلية في أداء رسالتها التعليمية السامية .. وإن حدث عكس ذلك فمآل الكلية الفشل في أداء مهامها وتحقيق أهدافها الأساسية .. وهذا بعينه هو الواقع الذي تعيشه كلية الفنون الجميلة اليتيمة التي تعاني من قصور بين في مقومات إنشائها ، وخلل في تصريف شئونها الإدارية والأكاديمية .. ويأتي في مقدمة ذلك التخبط في إدارتها والعبث بمقدراتها ، ونشأ هذا جراء تكرار سوء اختيار القيادة الإدارية الذي يتم كما يبدو دون الاعتماد على الحيثيات المتعارف عليها في اختيار قيادات الكليات بالجامعات الوطنية ..

والنتيجة الحتمية أن أوضاع كلية الفنون اليتيمة في تدهور مستمر على غير المتوقع وأصبحت تسوء عاماً تلو آخر لسوء إدارتها الذي انعكس سلبياً على أداء أعضاء هيئة التدريس ومعظم الطلاب بالأقسام الأربعة بالكلية التي ربما تتقلص إلى ثلاثة أقسام - بدلاً من إضافة أقسام جديدة - ببركة قيادة هذا المنبر الأكاديمي النوعي التي تفتقر إلى الرؤية المستقبلية وإلى الخبرة الإدارية الكافية .. التي تؤهلها لإدارة شؤون هذه الكلية اليتيمة في الجمهورية .. حيث تقوم هذه القيادة غير الحكيمة ببث الشائعات بين الطلاب وتهديدهم بقفل أحد الأقسام وإيقاف الدراسة به بصورة نهائية .. بسبب خلافات شخصية بينها وبين الرئاسة السابقة لهذه القسم ، بل واقتحام قاعات المحاضرات ومحاولة إخراج الطلاب منها ، ثم اقتحام مكتب رئيس القسم الحالي بطريقة ملتوية وغير قانونية .. وذلك دون علمه وأثناء تعرضه لوعكة صحية ,, تلك أحد التصرفات اللامسئولة وأحد الدلائل على سوء الإدارة ، والدليل الآخر هو استقالة ثلاثة من رؤساء الأقسام وبعض نواب عميد الكلية من أعمالهم بصورة جماعية .. يضاف إلى ذلك استمرار المصادمات والخلافات الحادة بين قيادة الكلية وبين عدد من أعضاء هيئة التدريس وبعض الموظفين ، الأمر الذي جعل الجميع في توتر مستمر مما أثر على سير العمل بصورة جلية .. وهناك العديد من المشكلات المتراكمة بالكلية ما تزال معلقة دون حلول ليصاب الجميع بالإحباط والتذمر ، وكل ذلك أسهم في نشوء عدد من الإخفاقات في مختلف الشؤون وخلق مشكلات جديدة ..

أما في شأن مقومات إنشاء الكلية فلم يتوفر حتى الآن المبنى المناسب لها بأقسامها المختلفة ، حيث يتطلب كل منها قاعات دراسية بمواصفات محددة .. وهناك قصور في توفير كثير من الوسائل التعليمية لكل قسم وبالأخص الوسائل التطبيقية .. ورغم ذلك يوجد تفريط وإهمال من قبل الكلية والجامعة في المحافظة على ما يتوفر من وسائل تعليمية لبعض الأقسام - والوثائق التي تثبت ذلك الإهمال موجودة - وهذا بالطبع يعتبر تفريطاً في المال العام بصورة مؤكدة ..

وكأن هذه الكلية قد أصابتها لعنة العبث والعشوائية .. التي تخيم عليها منذ غادر اليمن الميمون أول عميد لها بعد أن كافأته الجامعة على جهوده وإخلاصه لعمله بقيام بعض مراكز القوى بالجامعة باقتحام مسكنه في غيابه وفي وجود عائلته وأبنائه ، والاستيلاء على المسكن بدون وجه حق وبكل صلف وعنجهية .. متخلين عما تميز به أبناء اليمن من كرم الضيافة وحسن التعامل لما عرف عنهم من طيبة ومودة وحكمة يمانية .. ويبدو أن اللعنة قد حلت على الكلية جراء الظلم الذي تعرض له الدكتور كاظم مؤنس العميد المؤسس للكلية على مرأى ومسمع من الجميع ودون أن يحرك أحد ساكناً أو يقف ضد ذلك الظلم – على الأقل – إكراماً لذلك الرجل الذي قدم الكثير للكلية من علمه وخبراته الفنية .. سواء أثنا فترة توليه لعمادة الكلية أو لرئاسة قسم الإذاعة والتلفزيون ، وتميز بأداء مهامه تلك - بشهادة الجميع – بكل تفانٍ ومثابرة ومقدرة إدارية وعلمية ..

كان لابد من التذكير بأفضال هذا العالم المستنير ودوره الريادي وحنكته الإدارية عند تأسيس كلية الفنون الجميلة ، ليعلم المعنيين بكيفية اختيار الكفاءات العلمية والإدارية لقيادة مثل هذه الكلية النوعية ..

تلك بعض المؤشرات الواضحة على تدهور أوضاع الكلية اليتيمة للفنون الجميلة بتلك الجامعة الوطنية .. فهل يبادر المعنيون بإنقاذها من هذا العبث والفوضى والتسيب الذي جعل البعض يتحكمون بمصيرها كعزبة عائلية .. لا كمنشأة أكاديمية وطنية يمتلكها الشعب ويحميها الأكاديميون والمبدعون من أبناء هذه الأرض الطيبة الأبية .. وتلك هي القضية .