الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٠ صباحاً

جنون الحب و حب الجنون ( 2 )

عباس القاضي
الاربعاء ، ١١ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
لم تستطع أماني أن تتحمل الوضع ، حيث أصبحت زوجة مع وقف التنفيذ ، و زادها يأسا ملاحقة أعين خالتها خوفا من اقتحامها خلوة أحمد المفروضة عليه من أمه ، بالإضافة إلى عدم مقاومة أحمد لهذه الحالة الغريبة ، حتى أصبح تعامله معها كأنها كائن غريب داخل البيت ، الأمر الذي دفعها أن تطلب أخاها ليأخذها .

خرجت أماني غير مأسوف عليها ،،، و بعد أسبوع جاء أحمد خلف أمه ،،، و لقنته ألفاظ الطلاق و هو يردد بعدها دون شعور .

مرت الأيام و أحمد ينتظر حكايات المساء التي تسردها أمه ،،، و تغطية اللحاف قبل النوم و نظرة أمه الأخيرة عليه قبل أن تغادر الغرفة ،،، إلى أن بدت ظاهرة غريبة على أحمد ،،، تنمو و تتطور يوم عن يوم ،،، و هي عدم إدراك ما يريد ،،، يأكل حتى ينهي الطعام الذي أمامه و لو كان مخصص للبيت كله ،،، و يشرب ،،، حتى تنتزع أمه الإناء من يديه ،،، و لا يطلب طعاما و إن مر أياما دون أكل ،،، حتى الملابس لا يغيرها إلا بعد " عرك ومرك " من قبل أمه و من يساعدها .

لم يقف عند هذه الحالة بل تطورت إلى حالات من الهيجان و التشنج ،،، دفعت بأمه أن تضع القيود و السلاسل على قدميه و يديه بنفسها و هي تبكي ،،، إلا أن الحكايات مازالت تسردها قبل النوم و يكون حينها كالحمل الوديع لا يحرك ساكنا ،،، ثم تضع اللحاف غطاء له و تنظر إليه قبل أن تغادر غرفته .

نظر إلى أمه نظرة استعطاف أن تفك قيده ليتناول إفطاره ،،، ففعلت و أثناء الإفطار ذكرت أنها أعدت له الكعك التي يحبها ،،، ذهبت إلى المطبخ فوجدتها قد بردت ،،، أرادت تسخينها ثم عادت منشرحة من هدوء أحمد إلا أنها صعقت عندما وجدت الغرفة خالية من أحمد ،،، انطلقت كالمجنونة تبحث عنه في كل مكان في البيت لكنها لم تجده ،،، خرجت إلى الحي ،،، إلى شوارع المدينة ،،، في المطاعم و الأسواق دون فائدة .

و كان أحمد قد فقد بوصلة التمييز فلم يعد يعرف من هو ولا من أين جاء ؟ أو إلى أين ذاهب ،،، ؟ بعد أن فقد إدراك ما يريد ،،، لم يأكل لثلاثة أيام ،،، و أمه تطوف بالمدينة ، مرت على مكتبة و اشترت كتاب حكايات جديدة أملا أن ترى أحمد لتقرأه عليه قبل أن ينام حتى و إن كان في الشارع ، و أصبحت مهووسة تكلم نفسها في الشارع كالمجنونة : حمودي يحتاجني ،،، نعم يحتاج إلى حكاياتي ،،، لن ينام حمودي حتى يسمعها و أغطيه باللحاف .

تعب أحمد من المشي ،،، و ضع جسده المنهك على الرصيف ،،، والناس يمرون بجواره ،،، بعضهم يقول : مسكين ،، مجنون جديد نزل الشارع – الله أعلم ايش حكايته ؟ و آخر يقول : هذا مستجد في الأمن السياسي عادة بالفترة ،،، كل العيون تراه إلا عين أمه رغم جحوظها لم تر حمودي .

كانت ينظر كالمغشي عليه إلى أرجل المارة أمام وجهه ،،، فجأة رأى قدمين ثابتتين لم تتحركا ،،، بدأ يوسع حدقة عينه ،،، لا يدري ما ذا يفعل ؟ و لكنه فعل ،،، نظر من الأسفل إلى الأعلى ببطء شديد كأنه عمود ضياء ،،، رفع رأسه ،،، استند على يده و هو ينظر ،،، ويسمع إلى أحد الأستريوهات القريبة و هي تصدح " عاد الهوى عاد ، عاد الحبيب الأولِ عاد " فرك عينيه : يقول في نفسه ،،، نعم إنها هي ،،، إنها " أماني " .

- يتبع –