الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٣١ صباحاً

التخصص بين الوساطة والمحسوبية

د. محمد علي بركات
السبت ، ١٦ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
في عصر الاعتماد على العلم والتخصص في أدق فروع المجالات العلمية المختلفة ، وفي ظل التطورات المتسارعة في شتى المجالات .. أصبح موضوع التأهيل والتخصص أمر بديهي لا خلاف على أهميته على مختلف المستويات .. ويشكل مطلباً أساسياً لممارسة أي عمل لضمان نجاح الفرد في أدائه والارتقاء بمستواه في سبيل تحقيق زيادة الإنتاج إلى أعلى المعدلات .. فالتأهيل العلمي والتخصص أساس نهضة أي مجتمع ووسيلة فاعلة لرسم معالم المستقبل في عصر التكنولوجيا وثورة المعلومات .. بل ويعتبر أيضاً أساساً لأي حراك اجتماعي وتنموي وفكري في المجتمعات ..

وهنا يتضح أن الوظائف بمختلف درجاتها في هذا العصر تتطلب الكوادر المتخصصة التي تم تأهيلها بالتحصيل العلمي الأكاديمي وإعدادها بالأساليب المتطـورة كل في مجال تخصصـه بحيث يؤدى العمل بجــدارة في جميع التخصصــات ..

فماذا عن واقع الحال وهل نواكب العصر الذي نعيشه تخطيطاً وفكراً وثقافة دون توانٍ أو كبوات ..؟ وهل يمكن تحقيق ذلك دون الاستناد إلى أسباب العلم والمعرفة تأهيلاً وتخصصاً على اعتبار أنها تمثل السند الحقيقي للبقاء والتطور ، ودون الأخذ بمعطيات وأسباب التطور والتحديث في حاضرنا وفيما هو آت ..؟

والإجابة بالطبع أننا نسعى بالفعل في بعض شؤون حياتنا ولكن بخطى وئيدة لتحقيق بعض التطور في مجالات معينة كمجال الاتصالات .. وبالمقابل هناك مجالات أخرى ما تزال على حالها من التخلف لم يطلها أي تطور أو مواكبة للعصر ومن أهمها عدم مراعاة التخصصات في توزيع الوظائف للخريجين وفقاً للاحتياجات ..

فنســـــــبة خريجي الجامعـــــات الـذين يعمـلون وفــق تخصصــاتهم لا تتجـاوز ( 15% ) وذلك حسب إحصائية وزارة الخدمة المدنية ، وهذه نسبة ضئيلة أمام النسبة المتبقية البالغة ( 85% ) ممن يعملون في وظائف لا علاقة لها بتخصصاتهم العلمية وهم موزعون في جميع الجهات .. وبالتالي فإن هذا يعني أن معظم الخريجين يشغلون أعمالاً لا تمت إلى تخصصاتهم بصلة وفقاً لسوء التوزيع الوظيفي الذي كان سبباً قوياً لضعف الأداء ومحدودية الكفاءات .. ويتضح أن هذا الأمر يمثل مشكلة عويصة ضمن عدد من المشكلات .. وبالطبع أن ذلك نتج عن عدم التوافق بين تخصص الموظف ونوع الوظيفة ومتطلباتها بعد أن أقحم عليها وأجبر على شغلها مسبباً ذلك انعكاسات سلبية على أدائه وقضى في ذات الوقت على ما كان يمكن أن يبرزه في تخصصه من قدرات ..

كما أن ما يحدث يؤكد غياب التوصيف الوظيفي الذي ترتب عليه عدم وضع الفرد المناسب في المكان المناسب ، وأتاح استخدام الأساليب غير القانونية كالوساطة والمحسوبية للحصول على الوظائف في المرافق الحكومية والهيئات..

ونتائج تلك الأحوال وآثارها السلبية عديدة وظاهرة للعيان وأهمها انخفاض مستوى الإنتاج أو انعدامه جراء تلك التجاوزات .. وإذا انخفض الإنتاج وذلك في أحسن الأحوال انخفض مستوى الدخل وفي نفس الوقت يظل مستوى البطالة في ارتفاع مستمر ، أليست تلك كارثة وضرر فادح بكل المقاييس والحسابات ..؟!

فأين موقع ما يعـــانيه هذا المجال المهم من قصـــور وتخلف في ظل عصر العلم وتكنولوجيا المعلومـــات ، وما تحدث في جميع الشـــــؤون الحيــــاتية من تطورات ..؟!

أملنا كبير أن يحوز هذا الموضوع جل اهتمام الدولة ليندرج في إطار ما يمكن أن تجريه من إصلاحات .. وليس من العيب أن نصلح من شؤوننا حرصاً على المصلحة العليا لبلادنا وشعبنا ، لكن العيب أن تُــترك العلل والأخطاء الجسيمة تضر بالوطن وبمستقبل الأجيال ونظل عنها غافلين في سبات .. وعلى رأسها عدم التزام التوصيف الوظيفي واستمرار تفشي داء الوساطة والمحسوبية .. وتلك هي القضية .