الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٨ مساءً

القول اللين

نبيل مبارك عجرة
الأحد ، ٢٧ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
ذاك الذي ملك من الدنيا الكثير، عمر شيد، ثم جعل أفواجاً من الناس تهوي إليه لتبني ذلك الصرح العظيم إنه من عظماء ملوك الدنيا إلا أن ذلك غره فظن أن لا يقدر عليه أحد بل بث في الناس أنه يعطي ويمنع، يحيي ويميت مع كل هذا إلا أن الخالق الودود سبحانه أرسل إليه رجلاً أعلم به من غيره بل وتربى تحت كنفه وسلطانه فقال الله له { فقولا له قولاً ليناً } ماذا قال هذا الطاغية وما هي البراهين والحقائق التي قدمت له؟ لقد ادعى لنفسه ما يعلم في قرارت نفسه أنه كاذب فيها! لكن مع ذلك كان الرد على هذه الفرية التي ادعاها كانت بالقول اللين.

القول اللين يكون في الطريقة والقول والكيفية ويكون بالحكمة والموعظة الحسنة، مع أن الداعية مطالب بالصدع بالأمر، والجهر بالحق، والقيام بالواجب وكل هذا لا يتناقض في أن يكون ذلك تحت لواء القول اللين، فالتلطف في العبارات أثناء الحوار قد يكو سبب لفتح مغاليق النفوس وهي يسيرة على من يسرها الله عليه من الكلمة الطيبة التي تقرب النفوس وتزيل الجفوة وتهيئها لتقبل الحق، وما ذلك علينا بعزيز كمناداتك لشخص باحب أسمائه مثل يا ابا فلان أو يا استاذي ويا شيخ كلمات سهلة لكن من يبداء بالتنازل. فمضمون الدعوة وجوهرها لا يتغير، وحقائق الدعوة ومبادئها لا تتبدل، بل تبقى ثابتة على اختلاف الزمان والمكان والظروف والأشخاص.. إن هذه الأمور غير خاضعة للتغيير أو التبديل أو الاجتهاد أو النسخ، لأننا لسنا نحن الذين فردناها أو اخترناها، بل إن الله رب العالمين - سبحانه - هو الذي تكفل بأفرادها واختيارها وبيانها لنا، وطالبنا أن نلتزم بها وأن لا نخرج عنها. والداعية مطالَب أن يبلغها كلها للناس، وإن لم يفعل فما قام بالمطلوب ولا بلّغ الرسالة.

لقد صادف أن التقى خير البشريه صلى الله عليه وعلى اله وسلم بطاغية عصره في أحد طرق مكة فعرض عليه الاسلام وابتدا قوله بمناداته ( يا أبا الحكم ) تلطفاً لعل قلبه يلين للحق وتلطفاً في الكلام فإن التلطف يلين القلوب التي إن قست صارت أقسى من الحجارة وإن لانت سالت سيلان الماء الزلال.

فيا داعي الحق ترفق في دعوتك فإن الإنسان أكثر شيئا جدلا بل وعنادا لمن عانده، إنك إن أشعرت المدعوين بفرض فكرتك ودعوتك قد ينفرون عنك وإن كانوا في قرارت نفوسهم يعلمون أنها الحق، فإن صاحب الحق ينظر إلى المخطئ بعين الرأفة والرحمة لما يراه فيهم من نكوث عن الطريق القويم فلذا حول هذه الرحمة والرافة إلى دعوة لين تكون جاذبة لهم إلى الحق الذي تعتقده.

القول اللين يجعل { الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } لما يرا منك من عدم مجاراته في القول القاسي الشنيع فيستحي المخالف عندما لا يجد من يرد الصد بالضد فيلجاء إلى إعلان الإنهزام لسيد الأخلاق وهو{ ادفع بالتي هي أحسن }، فإنه يخدر المشاعر التي تهيج بالقبائح ليحولها إلى سكون وخجل يتبعه تبرؤ من كل قبيح وإقلاع ولو حتى في ذلك والحال.

تجنب اللوم المباشر عند وضوح خطأ فالنفس غالباً لا تتحمل قول " أخطأت أو سأثبت لك أنك مخطئ أو أنا أخالفك في الرأي " فهذه الألفاظ قد يجرح عند بعض الناس كبرياءه وشخصيته، فالداعية الناجح هو الذي يريد أن يوصل دعوته إلى قلوب الآخرين، ويوجد عندهم القناعة بها والقبول لها يعمل باستمرار على تحسين أسلوبه في عرضها وتقديمها بطريقة تسهل التعامل مع الآخرين باستخدام احدث وأفضل أسلوب ويقدم مضمون الدعوة وحقائقها في غاية اللطف والرقة واللين بحيث يكون أسلوبه سبباً في قبولها حتى لو كانت مرة شديدة!.