الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٩ مساءً

لست عليهم بمصيطر

نبيل مبارك عجرة
الجمعة ، ٢٣ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
عندما يدعو الداعي إلى دعوة ما ويرى أنها هي الدعوة الحق ثم يواجه بالصد والرد من قبل الداعين بأنواع السباب والشتائم كثيراً ما يتملكه الحزن والأسى لعدم قبول هذا الحق فلذا يرشد الله سبحانه وتعال إمام الداعين بقوله: { لست عليهم بمصيطر } لست بمتسلط عليهم بجبار، ولست مسيطر على عقولهم، فليس لك سلطة ولا سيطرة عليهم وإنما السلطة لله رب العالمين.

فأنت يا أيها الداعي لا تملك من أمر القلوب شيئاً حتى تقهرها وتقسرها على الإيمان فالقلوب بين أصابع الرحمن، لا يقدر عليها إنسان.

{ لست عليهم بمصيطر } فهذا إيحاء بأن الداعي ليس له من أمر دعوته شيء إلا التذكير والبلاغ وهذا فيه إعفاء أعصاب داعي الحق من أن يحمل هم دعوته بعد البلاغ وإنما عليه أن يتركها لقدر الله يفعل بها ما يشاء.

{ لست عليهم بمصيطر } فمن كان يخالف شخصاً في اعتقاده فعليه أن يقنعه بالحسنى، وليبين له وجه الخطأ فيما يعتقد، وإن لم يقبل فلا يكرهه ولا يضغط عليه، ولا يستخدم التأثير عليه بما يحمله على تغيير عقيدته وهو غير راض، ويكفي داعي الحق الاعتقاد أنه أدى واجبه، فبين الخطأ، وأرشد إلى الحق، ولم يقصر في إرشاد المخطئ وهدايته إلى السراط المستقيم.
{ لست عليهم بمصيطر } فإن الحق واحد ولا يتعدد، ولكن كلمة الفصل والحسم لإلزام الإنسان بالحق، وإخضاعه له، مؤجلة إلى يوم القيامة، أما في الدنيا فالمجال متاح للتنوع والاختلاف بين الأديان والمذاهب والآراء، حيث تدعي كل جهة أن الحق معها، وفي حوزتها، إما عن اقتناع أو تعصب ومن الناحية العملية، فإن كل تجارب فرض الأفكار والمعتقدات، هي تجارب فاشلة، حيث يتمسك الناس بأديانهم ومذاهبهم أكثر في حالة التحدي والمواجهة، وواقع الشعوب في البلدان التي كانت تهيمن عليها الشيوعية أكبر شاهد على ذلك.

فهذا يؤكد جانباً من جوانب الحرية ألا وهو تجريد الإنسان من كل رقابة بينه وبين خالقه، فالعلاقة مباشرة بين الإنسان وربه من غير واسطة أو تدخل من أحد مهما كانت منزلته.
ليس من الضروري أن نتصور أن الدنيا ستتحول على أيدينا إلى دنيا صالحة.. مية بالمية لكن من المهم أن نحرص على الهداية الى الصلاح، وأن نتحايل عليهم بكل ممكن مباح، وأن نتقن عرضنا، ونتعرف على نفسياتهم أياً كان مستواهم العلمي أو مراحلهم العمرية، وأن نقدم لهم القيم والأخلاق العليا كالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية التي تثبت لهم أنه أرقى من كل ما عرفوا من هذه النظريات، وقبل هذا أو بعده أن نكون في سلوكياتنا وأخلاقنا وأنماط حياتنا مثلاً أعلى لهم، فإن الكثير من الداعين يدعون بالسنتهم ويصدون عن السبيل بأفعالهم وتناقضاتهم وإزدواجياتهم واهتماماتهم الصغيرة تفكيرهم المحدود، وبتجربة عملية يظهر أن الشاب الذي يعيش الإسلام واقعاً عملياً بين ظهراني المشركين أحرص على الإسلام بمعاملته وأخلاقه من مائة خطيب ومتحدث يدعو إلى الإسلام بأقواله ويحذر منه بأعماله.

أيا أيها الداعي عليك أن تكون بصبر الجمال، ورفعة السماء، وثبات الجبال، وسهولة الأرض وانبساطها، ثم بعد امتلاك هذه الميزات اصدع بالحق و { لست عليهم بمصيطر }.