الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٠١ مساءً

مصر و سيناريو السقوط الإستراتيجي (1)

عمرو محمد الرياشي
الجمعة ، ١٩ يوليو ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
بعد اتضاح الكثير من تفاصيل المشهد المصري وانقشاع الضباب عن عيون البعض بالرغم ان المشهد السياسي واضح ولا يحتاج ذلك الوقت في الاستغراق الطويل لمعرفة اسباب سلسلة التأمر المرسومه سلفاً ولكننا جميعا شاهدنا حقيقة واحده وهي ان هناك مؤامرة انقلاب دوليه تمت بالفعل على ثورة المصريين بواسطة قيادة الجيش التي لعبت الدور بشكل ارضى جميع الاطراف التي دعمت الانقلاب .

لقد كان قدر مصر ان لا تكون مجرد دولة عاديه بل دولة رائدة في قلب العالم العربي والاسلامي بحكم اهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي وبحكم الثقل السكاني وصولا الى اقوى دولة عربية محاذيه للكيان الصهيوني .

حقيقة لم تعد الأمة الاسلاميه تواجه الخطر الخارجي وحده بل لقد تشابك الخطر الخارجي مع الخطر الداخلي في معارك إقصاء وهيمنة على إرادة الشعوب في إستعادة هويتها وحريتها واستخدام الخطر الداخلي كأداة من قبل الخارج لتحطيم الوصول الى مرحلة الإعتماد الذاتي والتحرر من قيود الخارج المفروضة باجنده استعباديه اقل ما نستطيع وصفها ....

ولذا نرى كثير من الدول التي لها ثقل في عالمنا الاسلامي وكان لحكامها وشعوبها طموح تحقيق النهضة والاعتماد على الذات والتخلص من الهيمنه الخارجيه سرعان ما تحولت الى دول تثقلها القلاقل ومشاريع صراعات عطلت وهدمت أحلام التحرر.

فلا نعجب ان نرى تلك الدول التي حاولت الخروج عن مسار فلك التبعيه قد وصلت لمرحلة من الضعف لم يعد بمقدورها ان تحافظ على بقائها ككيان الا بمساعدة الاخرين وليس أي اخرين بل أعداء هذه الأمه ولدينا الكثير من الامثله فمن اندونيسا ومخطط التقسيم وانفصال تيمور الشرقية الى مخطط رفع نسبة الديانة المسيحيه لتصبح اندونسيا دولة غير اسلاميه بنهاية القرن الحالي حسب المخطط ولا ننسى كل من العراق والسودان والجزائر والتي لا يتسع الوقت لشرح ما حدث في تلك الدول وهي تحاول الخروج من نفق التبعيه والإستقلال الحقيقي .

فما مانراه اليوم في مصر ليس بجديد ولكن لماذا نرى الامر يتكرر على الجميع؟ هل نظل كمراقبين لأوضاعنا المحزنه نعلق شماعة الفشل وعدم الجديه والاستبداد أم هناك من يقوم يزرعها ويلعب الدور المكلف به من قبل دوائر خارجيه لا تريد الا ابقاء مصالحها على حساب مصالح الشعوب .

بالنظر الى الواقع السياسي الراهن للعالم نرى كثير من المعايير والمصطلحات السياسية المتعارف عليها مثل الإنتخابات واستخدامها طريقا للتداول السلمي للسلطه اصبحت في عالمنا الاسلامي مجرد سلعه يتم تسويقها للإستهلاك الإعلامي والسياسي والإقتصادي وحين يتم استهلاكها وفقا لمواصفات الدول المصدره سرعان ما تصبح المواصفات والمعايير السياسية غير مطابقه وغير صالحه للاستهلاك السياسي تحت مبررات للتسويف ليس اكثر .

ربما لان الكثير يعتبر ان القوى الاسلاميه بتياراتها المختلفه محرم عليها ان تستخدم الديمقراطيه كسلعه سياسية كونها قد تسقط وتكشف كثير من الزيف الذي اغرقت الامه به وتشبعت منه ... بغض النظر عن الاخفاقات التي وقعت فيها التيارات الاسلاميه في مسارها السياسي عبر التاريخ لكن لو ترك لها المجال لكان حققت الكثير عما عجز تحقيقه الأخرين .

فظهور القوى الاسلاميه في كثير من دول العالم الاسلامي ودخولها ميدان السياسية بمواصفات عصريه اربك كثيراً من القوى الاخرى بمختلف توجهاتها ومدارسها التي اضطرتها احيانا الى محاربة القوى الاسلاميه بتسويق افكار بعض التيارات الدينيه المتطرفه التي مازالت قابعة تحت تأثيرات ظلاميه لا صلة لها بالاسلام ولكن تُستخدم لأجنده تخدم بعض القوى المستفيده من هذا الظلام الفكري الذي يغذي مصالح كيانات سياسية اخرى .

وما اقصده بالقوى الاسلاميه هي تلك القوى التي خاضت مضمار السياسية كحل حضاري لإنقاذ الأمه من حالة الفرقة والسقوط الحضاري الذي تسببت فيه الحركات السياسيه السابقه التي كرست لنا دول تحمل ايدلوجيات القوميات القُطريه التي اخرجت لنا قوى إهتمت بجزء من الأمه وفككت الجزء الأخر حتى ضعفت وخارت قوى الأمه والنتيجه التي لا مفر منها أن أصبحت مصير الشعوب رهينه تحت الهيمنه الخارجيه واسيره لإطماعه خاضعة لأقواله وأفعاله ولا حول لها ولا قوة سوى القبول بالطاعه فقط .

حتى نكون صادقين في الطرح والنقد ان ليس كل القوى الاسلاميه على مستوى واحد من الفكر والخبره في التعامل مع تعقيدات السياسيه المركبه بل لقد شهدنا في الحالة المصريه كثير من القوى المحسوبه على الإسلام داخل مصر وخارجها وهي تسوق بكل وضوح جهاراً نهاراً لخصوم الإخوان في مصر ودعمت بالمال فقط حتى لا تخرج مصر عن الخط المرسوم لها من قبل القوى الإقليميه .

لكن لماذا كل الحنق على الإخوان بالرغم من حداثة عهدهم في الحكم ؟

الجواب ببساطه لا يكمن في تركيبة الاخوان الإيدلوجيه أو دهائهم السياسي بل على العكس لو اردنا ان نحاكم الإخوان لتم محاكمتهم بتهمة الغباء السياسي المفرط ولكن يكمن السر في العديد من الملفات الاستراتيجيه التي تعتبر محرمه العبث فيها وهي : (القمح – الملف النووي – الإعلام - مياه النيل – قناة السويس – الجيش المصري – أمن إسرائيل).

· القمح والاكتفاء الذاتي : العلاقة بين القمح والسياسيه طرديه كلما زاد انتاج الدولة للقمح كسلعه استراتيجيه في الامن الغذائي قوي استقلال الدولة وخروجها عن التبعيه فالقمح محصول سياسي ان جاز التعبير حيث اصبحت الدول المصدره مثل امريكا وحلفائها في الاتحاد الاوروبي يستخدمون هذه السلعه للإبتزاز السياسي ليصبح القرار السياسي تحت اطار التبعيه وبذلك نجد الدولة التي لديها عجز غذائي ببساطه مسلوبة الإراده والاستقلال السياسي وبذلك يكون للقمح ثمن سياسي لا يقل اهميته عن عقود التسليح والمساعدات فكلما زادت الفجوه الغذائيه زاد بالتالي الفجوه في الاستقلال السياسي واصبحت الدوله لا تملك قرار سياسي.

وربطا بالحاله المصريه نجد ان اخضاع مصر سياسي وضمان عدم كسرها عصا الطاعه كان لزاما وضع مصر بحالة عجز دائمه لتوفير سلعة القمح لمصريين مقابل مصادرة الاستقلال السياسي والتبعيه السياسيه . وهذا ما نجحت امريكا في تنفيذه وببراعة في تذويب هوية الشعوب واذلالها واخضاع حكامها بمفاتيح غلال العالم الغذائيه دون الحاجه لدفع نفقة فاتور باهضه بإرسال حاملات الطائرات وارسال صواريخ عابره للقارات واستخدام اسلحه الدمار الشامل لفرض إجندتها السياسيه .

طبعا الأخوان في سياسيتهم الزراعيه كان لهم مشاريع اكتفاء ذاتي وزادت زراعة القمح عن سابق عهد مبارك وتم إلغاء كثير من وكالات استيراد القمح الأمريكي وهذا ما اعتبرته القوى الكبرى مؤشر خطر يجب التنبه له وافشال أي برنامج اكتفاء ذاتي لمصر ولقد شاهدنا على سبيل المثال ماذا حصل على سلة الغذاء العربي السودان وكيفية جرى مخطط التقسيم الى دولتين علما ان المخطط قد يمتد لتقسيم السودان الى 3 دول . طبعا ربما بعض القراء سيقول انني بالغت في ملف القمح وعلاقته بالوضع السياسي في مصر ولكن سأورد لكم بعض المحطات السياسية حتى أبرهن على ذلك .

· في حرب 1973م قال هنري كيسنجر وزير الخارجيه الأمريكي وهو يعتصر وجعا ردا على استخدام سلاح البترول ( لقاء كل قطرة بترول سنعطيهم حبة قمح ) وهذا ما تم بالفعل استخدم العرب مرة واحده سلاح البترول ولكن الامريكان مازالو يمارسون استخدام سلاح القمح حتى الأن .

· لا ننسى ما فرضته الولايات المتحدة الأمريكيّة من حظر تصدير الغذاء إلى ليبيا في أوائل عام 1986م واستخدام سلاح التجويع في تسعينات القرن الماضي ضد الشعب العراقي لتجويعه واذلاله .

· ايضا استخدم سلاح القمح ضد الدول النامية والدول المتقدمة على حدٍ سواء فقد اُستخدم ضد فرنسا في زمن ديغول , وضد بعض الدول في أمريكا اللاتينية والدول الإفريقيّة والآسيويّة.

· ايقاف تصدير القمح الى الاتحاد السوفييتي في عهد رئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر في عام 1980م كرد على تدخل السوفييت في أفغانستان.

· ايضا ما كتبه هنري كيسنجر في مذكراته سنوات الفوران (الاضطراب) عن كيفية استخدام الولايات المتحده الامريكيه سلاح القمح من اجل الضغط والمقايضة على بعض القرارات السوفييتية مثل المساومة مع السوفييت بخصوص ملف هجرة اليهود السوفييت وكيف تم رفع عدد المهاجرين السوفييت من 400 مهاجر الى 35 الف مهاجر بفضل وسيلة الضغط الغذائي والتجاري وكان هذا الأمر في عام 1973م .

· لا ننسى حرص الولايات المتحدة الأمريكية ( أكبر مصدر للقمح في العالم ) والاتحاد الأوربي إلى الحد من دعم صادرات القمح ووصل الأمر الى رمي الفائض من القمح والأرز في البحر حتى يرتفع ثمنه ويزيد من الأعباء الماليّة على البلدان الفقيره.

وبهذا نخلص الى ان الشعب الذي لا يزرع حبة القمح لايمتلك كرامته و لا إرادته ولا قراره السياسي السيادي .

يتبع المقال القادم