الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:١٥ صباحاً

السعودية و احتواء الطارد و المطرود من اليمن

سمير محمد
الاربعاء ، ١٢ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٠٠ مساءً
شهدت العلاقات السعودية - اليمنية في مجال السياسة تناقضات و حالات شد و جذب سوف تحير كل من يتابعها و يبحث فيها , و إحدى هذه المجالات المحيرة هي علاقة السعودية بالمطردوين و الهاربين سياسيا من اليمن .

فحينما ضيق السلاطين الحال على رؤوس الأموال و لم يواكبوا الحال و التطور لجأ اصحاب رؤوس الأموال في السلطنات و المشائخ اليمنية إلى المملكة الناشئة في نجد و الحجاز أضف إلى ذلك أن التجار في عدن فضلوا أن يستثمروا أموالهم في دولة عربية على أن يبقوا في كنف البريطانيين في عدن , فاحتوتهم السعودية لأن البلاد أصلا بحاجة لهم و لخبراتهم , فكانوا هم نواة التجارة و العمل التجاري و المقاولات و الصيرفة و التوكيلات و الإستيراد في المملكة .

قبل خروج بريطانيا من عدن و محمياتها في الجنوب كانت قد اندلعت ثورة 26 سبتمبر في عام 1962 م و تندلع معها حرب لمدة سبع سنوات انتهت بمصالحة بين الإماميين و الجمهوريين الجدد و يرحل معها الإماميون مع أسرهم للسعودية , و بعد خروج بريطانيا من عدن هرب جل السلاطين و المشائخ إلى السعودية التي احتوتهم و استضافتهم مع أسرهم ليلحقوا بالتجار الذين هربوا منهم سابقا .

و خلال فترات مابعد الجمهورية في الشمال كان كل من يهرب من الحكام أو كبار المسؤولين أو يتم نفيه يلجأ للسعودية ليعيش في كنف الحكومة السعودية إلى جوار الإماميين الذين هربوا منهم سابقا .

كذلك هرب الكثير من أعضاء جبهة التحرير في الجنوب بعد ملاحقة أعضاء الجبهة القومية لهم إلى شمال اليمن و بعضهم إلى السعودية ليعيشوا إلى جانب السلاطين الذين هربوا منهم و كذلك إلى جانب الإماميين الذين حاربوهم مشاركة لثوار 26 سبتمبر .

و بعد أحداث يناير 1986م في عدن هرب أتباع علي ناصر محمد و الذين تمت تسميتهم إصطلاحا بالزمرة إلى شمال الوطن و بعضهم إلى السعودية ليعيش هناك إلى جوار السلاطين الذين هربوا منهم أو إلى جانب الإماميين الذين قاتلوهم ثم إلى جانب أعضاء جبهة التحرير الذين طردوهم .

و الحكاية لم تتوقف عند هؤلاء فما زالت المملكة العربية السعودية تستقبل السياسيين المطرودين من اليمن و تستخدمهم في أوقات معينة كل حسب ظروفه و قدراته و حسب قوة العلاقة بين الحكومات اليمنية و السعودية أو حسب قوة الحكومة اليمنية أو ضعفها .

في 1994 م و بعد هزيمة قوات علي سالم البيض في حربه المدعومة من السعودية و دول خليجية لجأ الكثير من مسؤولي البلاد و قادة الجيش للسعودية و كثير من البلدان , و يصبحوا لاجئين إلى جانب الإماميين و السلاطين و أعضاء جبهة التحرير و أعضاء الحزب الإشتراكي الهاربين عقب أحداث يناير .

و بما أن مسلسل الظلم مستمر فإن من أتى بعدهم لم يتعظ و لم يعتبر مما جرى , فقد شاهدنا علي عبدالله صالح يتعالج بالسعودية لفترة طويلة و يزورها مرة أخرى , و هناك احتمال كبير أن تكون هي الملجأ الأخير له رغم رغبته في أن يعيش في ألمانيا إلا أنه عاش في فترة علاجه الأولى و الثانية إلى جانب عديد السياسيين الذين طردوا ـ بفتح الطاء ـ ثم طردوا ـ بضم الطاء ـ خلال ستين عاما من عمر السياسة اليمنية الحديثة و هي مقاربة للفترة التي تأسست بها المملكة العربية السعودية و كأن تأسيسها جاء نكالا على الساسة اليمنيين الذين لم يتعظوا و لم يعتبروا مما جرى لمن سبقهم و هم يرونهم يمشون في نفس الطريق الذي شاهدوا غيرهم يمشي فيه .

ماهو شعور علي عبدالله صالح ؟! وهو يحس بنظرات السلاطين و الإماميين و أعضاء جبهة التحرير ثم أصحاب الزمرةمن الإشتراكيين فأصحاب الطغمة المنهزمين في حرب الإنفصال , كذلك وهو يشاهد الكثير من قادة الإصلاح و الإشتراكي و غيرها من الأحزاب الذين لديهم إقامات في السعودية بسبب الأوضاع في اليمن خلال حكمه المأساوي .

ثم ماهو شعور المملكة ؟! و هي ترى هذا العدد الضخم من الفاشلين في اليمن و هي تستقبلهم و تصرف عليهم و على أسرهم و تمنح الكثير منهم جنسيتها و يعيشون بدرجة مميزة لا يجدها الكثير من السعوديين , و لماذا لجأ هؤلاء للسعودية رغم أنهم أعداء ظاهريا لها و لحكمها فالإماميون و السلاطين و الإشتراكيون و أعضاء جبهة التحرير و علي عبدالله صالح كانوا يرون في السعودية عدوة مذهبية و توسعية و رجعية و متزمتة و تتدخل في الشأن المحلي على التوالي .

على المملكة العربية السعودية و دون الخوض في مسألة تبعيتهم لها من عدمة أن تسأل نفسها حول أسباب فشلهم و هروبهم و أن تكف عن إظهارهم في قنواتها العديدة خلال فترات ما , عليها أن تفكر ولو لمرة في أن تفكر بالشعب اليمني ككل و أن تعرف أن هؤلاء المسؤولين لايجيدون إلا الهروب , و أن تراعي الله في اليمنيين الذين يعملون في أراضيها بصورة قانونية و في مجالات و أعمال لايجيد السعوديين أو غير السعوديين العمل بها , و أن يراعوا الله في الدين الجيرة و الأخوة و الحق المشترك , لعل هذا يكفر عن سيئات دعم الهاربين و اللاجئيين .

.