الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٥٣ مساءً

الحوثي وتمييع مكافحة الإرهاب!

عبد الملك شمسان
الاثنين ، ٠٢ مارس ٢٠١٥ الساعة ٠٦:٥٩ مساءً
قامت مليشيات الحوثي مساء أمس الأحد باقتحام مقر مكتب الطلاب التابع لحزب الإصلاح في صنعاء، واختطفت أربعة أشخاص من بينهم حبيب العريقي (عضو اللجنة التنظيمية لثورة فبراير، ورئيس دائرة الانتخابات في حزب الإصلاح بأمانة العاصمة)، وبعدها بساعات قليلة نشرت وكالة "سبأ" عن مصدر مجهول في "اللجنة الأمنية" المعينة من قبل الحوثيين والمفتقرة للشرعية خبرا يتحدث عن اكتشاف خلية إرهابية يتزعمها حبيب العريقي.

القبض على أي شخص إرهابي في أي دولة يعد من الأخبار ذات الطابع العالمي، وعند القبض على أي إرهابي يتسابق كبار المسؤولين للإعلان عن الحدث بغية تسجيل نقطة تضاف من قبل الداخل والخارج إلى رصيد نظامهم السياسي، وإذا كان هذا بحق شخص إرهابي فكيف إذا كان الخبر يتحدث عن اكتشاف خلية إرهابية بكاملها والقبض على قائدها..!؟
وفق هذا، عندما يرد أي حديث عن اكتشاف إرهابي أو خلية إرهابية على لسان مصدر "مجهول"، فالمعنى أن الخبر محض افتراء، ومجرد كذبة سمجة، والأكثر سماجة أن يأتي هذا التصريح على لسان مصدر مجهول في لجنة أمنية جرى تعيينها من قبل عصابة يستنكر العالم انقلابها ولا يعترف بشرعيتها أحد في الداخل والخارج!!

قبل أيام، تلقى "حبيب العريقي" من "علي العماد" (عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثيين) تهديدات بالاعتقال في حال إذا لم يعد الإصلاح إلى حوارهم في فندق موفنبيك الذي لم يتبق معهم فيه سوى حسن زيد وحليفهم صالح. ومساء أمس الأحد تم تنفيذ هذا التهديد بحق العريقي الذي قام الحوثيون بخطفه وثلاثة آخرين، وإذا بمصدر مجهول في اللجنة الأمنية غير الشرعية يتحدث بعد ذلك بساعات قليلة عن اكتشاف خلية إرهابية يتزعمها العريقي!!

من حيث المبدأ، ليس للحوثيين أدنى شرعية أو أي صفة تخولهم بتصنيف أي جهة أو شخص في شأن العلاقة بالإرهاب، فضلا عن القيام بملاحقة أي شخص أو القبض عليه أو محاكمته. وإلقاؤهم بتهمة الإرهاب على الذين اختطفوهم يوم أمس من مكتب طلاب الإصلاح بادرة خطيرة في استهداف السياسيين والناشطين، خاصة وأن الحوثي يمضي قدما –كما هو واضح- في استهداف قيادات وناشطي ثورة فبراير التي أطاحت بحليفه الحالي "علي صالح".

يتحمل الحوثيون مسؤولية أي اختلالات أو أحداث مضرة بالأمن في العاصمة والمناطق الواقعة بقوة السلاح تحت سيطرتهم، لأنهم هم من خلق هذا الوضع، ولأنهم المتسبب في الاختلالات الأمنية، وليس لأنهم الجهة المعنية بحفظ الأمن، أي أن مسؤولية الحوثيين عن الاختلال الأمني لا تتطلب بالمقابل أن يمنحوا أي صلاحيات أمنية من صلاحيات الدولة.

يعتقد كثيرون أن الحوثيين يحصلون على التشجيع في استخدام هذه اللافتة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد أكبر الدول الراعية للتسوية السياسية اليمنية، ورغم أن الولايات المتحدة لا تعترف بشرعية سيطرة الحوثي على صنعاء، وتعد ما فعلته جماعة الحوثي تقويضا للعملية السياسية، إلا أن موقفها من قيام هذه الجماعة بتوظيفها للافتة مكافحة الإرهاب ضد خصومها السياسيين لا يزال غير مفهوم، خاصة وأن قيام جماعة الحوثي باستخدام لافتة الإرهاب ضد الخصوم السياسيين على هذا النحو –فضلا عن استخدام ما سيطرت عليه من مؤسسات الدولة في هذا الاتجاه- من شأنه تمييع قضية الإرهاب ومكافحته التي تلتزم بها الدولة اليمنية وفق اتفاقاتها الإقليمية والدولية بهذا الشأن، وممارسات الحوثيين في هذا تكشف يوما بعد آخر سوء استخدامهم لهذه التهمة بتعميمها على كل من يخالفهم لدرجة اتهامهم للرئيس هادي بأنه أصبح قائدا لفصيل من فصائل القاعدة.

تفقد السياسة الأمريكية في اليمن توازنها في التوفيق بين التعامل مع الملف الأمني من جهة، وبين الملفات السياسية وتنمية الديمقراطية وتفاصيلها من جهة أخرى، بل حتى الملف السياسي والديمقراطية في اليمن أصبح كما لو أنه ملحق بالملف الأمني، ويترتب على هذا نقطة أخرى بشأن ما يتردد عن التعاون الأمريكي مع الحوثيين في محاربة الإرهاب في اليمن بعيدا عن مؤسسات الدولة، وهو ما يزيد المشكلة تعقيدا وينذر بتداعيات لا يمكن التكهن بها.